سجناء مصر... إهمال لصحة المصابين بأمراض مستعصية
تضاعف قلق أهالي المرضى الذين يلجأون إلى التدوين كحل أخير لإنقاذ ذويهم من شبح الموت الذي يهددهم خلف أسوار الحبس والاحتجاز. على مواقع التواصل الاجتماعي، ومن خلال إرسال استغاثات لمنظمات المجتمع المدني
كتب عدد من أهالي المرضى المسجونين على خلفية قضايا سياسية استغاثات، وخصوصاً أولئك المصابين بأورام خبيثة. ونشرت أسرة السجين السياسي الشاب أحمد نادر عبد القادر حماد (29 عاماً) الذي يتحدر من محافظة الجيزة، استغاثة عاجلة للإفراج الصحي عنه بعد انتشار الأورام في جسده. وتدهورت صحته بعد ظهور أورام في قدمه وجسده تتطلب تدخلاً عاجلاً، طبقاً للاستغاثة التي نشرها مركز الشهاب لحقوق الإنسان. الاستغاثة أكدت أن الإهمال الطبي في محبسه أدى إلى تدهور كبير في صحته، إلى جانب التعنت في علاجه حتى الآن، ما يضاعف خطورة حالته. اعتقل نادر منذ 8 سبتمبر/ أيلول 2016 هو الحاصل على بكالوريوس تجارة من جامعة القاهرة، وتعرض للإخفاء القسري لمدة عام كامل منذ القبض عليه وحتى ظهوره واتهامه في القضية رقم 64 لسنة 2017 جنايات شمال القاهرة العسكرية، والمعروفة إعلامياً بـ"محاولة اغتيال النائب العام المساعد". وأنهى الحكم الصادر بحقه بالسجن المشدد 3 سنوات داخل سجن العقرب شديد الحراسة 2. وعند إنهاء إجراءات إخلاء سبيله والإفراج عنه، تم تدويره على ذمة قضية جديدة تحمل رقم 201 لسنة 2020.
وسبق أن أكدت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان أن نادر يعاني من مرض السكري، بالإضافة إلى إصابته بعدة أورام، ويحتاج إلى إجراء عدد من الفحوصات الطبية والأشعة اللازمة، والتي لا تتوافر داخل مستشفى السجن، نظراً لحالته الحرجة التي تتطلب إحالته إلى أحد مستشفيات الأورام المتخصصة لتحديد نوعيتها وكيفية علاجها.
وعلى الرغم من معاناته المستمرة، لا تسمح إدارة السجن إلا بإدخال بعض الأدوية المسكنة، لكنها تتعنت مع الطلبات المتكررة منه ومن أسرته بإحالته لأحد المستشفيات أو المراكز الطبية المتخصصة.
وتتخوف أسرته على مصيره وحياته، نظراً لمنعه من الزيارات منذ إلقاء القبض عليه. وترفض الأجهزة الأمنية السماح لهم برؤيته وزيارته للاطمئنان عليه، كما ترفض إدارة السجن إعطاء الأسرة أية تقارير طبية تبين حالته الصحية على وجه الدقة.كما تنهش الأورام السرطانية أيضاً جسد السجين السياسي الشاب أحمد وليد الشال (32 عاماً)، المصاب بأورام في الدماغ ويعاني إهمالاً طبياً، كذلك يعاني نقصاً في الوزن، ودوخة شديدة، ورعشة في يده، وصعوبة في تحريك قدمه اليمنى، وذلك بعد انتشار الورم في دماغه. وكان قد أجرى عمليات استئصال في الدماغ قبل حبسه بأعوام.
وقبض على الشال منذ عام 2014، وقد حكم عليه بالإعدام في يوليو/ تموز 2016 بسبب قضية "مقتل الحارس".
في هذا السياق، نشر أحمد، وهو نجل السجين السياسي أمين الصيرفي، مقطع فيديو على موقع "فيسبوك" يحمل استغاثة لإنقاذ والده المحبوس في زنزانة انفرادية بسجن العقرب، قبل نقله إلى سجن بدر، وتعرضه لانتهاكات خطيرة على الرغم من مرضه. وأكد نجل أمين في الفيديو أنه ممنوع من الزيارة منذ 7 سنوات ولم تره عائلته سوى 4 مرات. وآخر زيارة له كانت عام 2014. وقال لأسرته إنه تعرض إلى ضرب أدى إلى كسور وجروح ووضعه في التأديب. ولا يعرف أهله عنه أي شيء منذ سنوات.
ومؤخراً، نددت منظمات حقوقية مصرية ودولية، من بينها المنظمة العربية لحقوق الإنسان، بتزايد حالات الوفاة داخل السجون المصرية بسبب الإهمال الطبي المتعمد والذي يزداد، وقالت إنه في حال لم يتم تدارك الأمر من خلال تحسين ظروف المعتقلين وتوفير العناية الطبية اللازمة لهم وعلى وجه الخصوص للذين يعانون من أمراض مزمنة، "فإننا مقبلون على كارثة".
وأوضحت المنظمة أنه خلال العام الجاري وحده، فقد 12 سجيناً سياسياً حياتهم بشكل مأساوي بسبب الإهمال الطبي وظروف الاحتجاز القاسية التي يعاني منها المحتجزون في قضايا معارضة. وأشارت إلى أن هذا الرقم يعكس تفاقم أزمة الرعاية الصحية داخل السجون في مصر ويسلط الضوء على التجاهل المتعمد للحقوق الإنسانية الأساسية للمعتقلين.
وبينت المنظمة أن "عدد الذين فقدوا حياتهم نتيجة ظروف الاحتجاز المروعة والحرمان من الرعاية الطبية منذ تولي النظام الحالي السلطة في 2014 بلغ 1020 حالة على الأقل، مشيرة إلى أن العدد مرشح للزيادة بسبب تزايد حالات الاستغاثة التي ترد من المعتقلين وذويهم لإنقاذهم قبل فوات الأوان بعد تدهور الحالة الصحية لعدد كبير منهم، ورفض تطبيق قانون تنظيم السجون المصري بالإفراج الصحي عن المعتقلين السياسيين الذين وصلت حالتهم الصحية إلى مرحلة خطرة لا يمكن تداركها بالعلاج في مقار احتجازهم أو مستشفيات السجون".وذكرت المنظمة أن ارتفاع عدد الوفيات يؤكد "استهتار النظام بحياة المعارضين الذين يملأون سجونه، وتجاهل التوصيات والمناشدات الحقوقية المتكررة من قبل المنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني لتحسين الأوضاع، والتي تُقابل من النظام المصري بالتجاهل والإنكار أو اللامبالاة.
وأكدت المنظمة أن وفاة السجناء نتيجة الإهمال الطبي "ترقى إلى مستوى جريمة القتل العمد، إذ لم تتخذ السلطات ما يلزم من إجراءات للحفاظ على حياة الذين ألمت بهم أمراض نتيجة سوء الاحتجاز أو من هم مرضى بأمراض خطرة منذ اعتقالهم وتفاقمت حالتهم نتيجة الإهمال الطبي". وطالبت المنظمة المجتمع الدولي، وخصوصاً الدول التي تربطها علاقات مع النظام المصري، بالتدخل العاجل لمعالجة أزمة السجناء السياسيين في مصر، وإنقاذ حياة عشرات الآلاف، واتخاذ خطوات فاعلة لضمان توفير الرعاية الطبية المناسبة لجميع السجناء.