الجارديان: مصر التي تتضور جوعًا، هل هي مستعدة لإدارة ظهرها لرئيسها؟

خلاصة

يشير رد الفعل على زلة الرئيس السيسي الأخيرة في مطالبة المصريين بالجوع أثناء سعيه وراء مشاريع ضخمة بمليارات الدولارات إلى إمكانية عودة ظهور الاضطرابات مرة أخرى، وفق ما يخلص تقرير لصحيفة الجارديان.

نشرت صحيفة الجارديان تقريرًا للكاتب إدموند باور يتناول رد فعل الشعب المصري على تصريحات السيسي الأخيرة.

يشير الكاتب في مستهل تقريره إلى أن إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي الترشح لولاية ثالثة غير دستورية لم يكن ليجذب اهتمامًا كبيرًا لو اقتصر عند هذا الحد.  ولم يكن هناك أي شك على الإطلاق في أن السيسي سيسعى إلى تمديد فترة ولايته التي تبلغ تسع سنوات، ولا توجد أي فرصة تقريبًا لخسارته. لكن إعلانه سبقه مؤتمر حكاية وطن، وهو مؤتمر استمر ثلاثة أيام لعرض إنجازاته الرئاسية، أدلى خلاله السيسي ببعض التعليقات الغريبة. 

وقال السيسي يوم الأحد: «لو كان البناء والتنمية والتقدم ثمنه الجوع والحرمان اوعوا يا مصريين متقدمهوش. اوعوا تقولوا ناكل أحسن». 

الجوع والحرمان

ويلفت الكاتب إلى أن تلك التصريحات كانت إشارة إلى سمتين أساسيتين لإدارته: الميل إلى المشاريع العملاقة بمليارات الدولارات، وأسوأ أزمة اقتصادية في الذاكرة الحية. ومنذ وصوله إلى السلطة في عام 2014، شرع السيسي في فورة بناء. وعُقد مؤتمر نهاية الأسبوع في العاصمة الإدارية الجديدة التي تبلغ تكلفتها 58 مليار دولار، والتي بدأ العمل فيها في عام 2015 ولكنها ظلت فارغة إلى حد كبير. وخلال الفترة نفسها، دفع التضخم ــ الذي سجل مستوى قياسيًا بلغ 37.9% في أغسطس ــ نحو ثلث المصريين إلى الفقر.

وتابع السيسي: «والله إذا كان ثمن التقدم التنمية هو أننا لا نأكل أو نشرب كما يفعل الآخرون، فلن نأكل أو نشرب».

في غضون ساعات، تصدرت مقاطع الفيديو الخاصة بخطابه موقع إكس (X)، تويتر سابقًا. وبحلول يوم الأحد، أزيلت تلك المقاطع «ردًا على تقرير من مالك حقوق النشر». وبدا أن القنوات التلفزيونية المصرية أعادت تحميل لقطات للمؤتمر مع حذف التصريحات المسيئة.

الشعب يتغير

ويوضح الكاتب أن تعليقات السيسي لم تكن مجرد زلة لسان في الحملة؛ فقد كان يكرر الرسالة ذاتها التي لطالما رددها، ولم تعد تلهم الدعم الذي اعتاد عليه. ليس السيسي هو من تغير، بل مصر التي تغيرت.

منذ توليه السلطة بعد انقلاب عسكري في عام 2013، سعى السيسي جاهدًا لتقديم نفسه على أنه الجنرال الشهم الذي استلم على مضض مقاليد السلطة لخدمة بلاده، وكذلك الرئيس المستعد للتضحية بشعبيته ومستعد لاتخاذ قرارات صعبة وتقديم حقائق صعبة.

ويضيف الكاتب أن رسالته الدائمة هي أن يشد الناس أحزمتهم ويثقون في حكومتهم. وأصبح خطاب السيسي نمطًا واحدًا وشائعًا منذ عام 2017 عندما خاطب المصريين بقوله: «محدش قالك إن احنا فقراء اوي .. فقراء اوي».

وعود لم تتحقق

ونوَّه الكاتب إلى أن الوعد الذي قطعه السيسي عندما تولى منصبه كان هو: تضحيات قصيرة المدى من أجل الاستقرار على المدى الطويل. لقد كانت صفقة قبلها الكثيرون. وكان توسع قناة السويس، الذي اكتمل في عام 2015 بتكلفة 8 مليارات دولار، أول مبادراته الجديدة، والتي أثارت خيال الناس لما كان ممكنًا - على الرغم من أن المحللين يعتقدون أن تأثيرها الاقتصادي الفعلي كان ضئيلًا. وفي الأيام الأولى لرئاسته، أعلن السيسي أنه سيشرف على زراعة 4 ملايين فدان من الأراضي الزراعية الجديدة في الصحراء. وكان يبني 40 مدينة. ستضم العاصمة الإدارية الجديدة وحدها أطول مبنى في إفريقيا، ومطار أكبر من مطار هيثرو، وأكبر كنيسة في الشرق الأوسط.

ولبناء هذه «الجمهورية الجديدة»، ستخفض الحكومة الدعم وستصبح الحياة مؤقتًا أكثر تكلفة. لكن على المدى الطويل ستزدهر مصر.

وبدلًا من ذلك، أصبح المصريون أكثر فقرًا من أي وقت مضى. وارتفعت قيمة الدولار من 6.95 جنيه مصري إلى 30.9. وارتفع تضخم الغذاء إلى 60%. وقفز الدين الخارجي من 40 مليار دولار إلى أكثر من 165 مليار دولار. ومن المتوقع حدوث انخفاض آخر في قيمة العملة بعد الانتخابات، وهو ما من المرجح أن يؤدي إلى مزيد من خفض مستويات المعيشة.

مع ارتفاع الأسعار، تراجعت شعبية السيسي. كما يقول المحلل السياسي ستيفن كوك، فإن السيسي، بعد أن رسخ اسمه في جميع أنحاء البلاد لمدة تسع سنوات، أصبح الآن غير قادر على فصل نفسه عن الأزمة الاقتصادية المستمرة. وبينما أرجع ذات يوم كل مشاكل مصر إلى جماعة الإخوان المسلمين، فقد غاب أعضاؤها الآن جميعًا – منفيين أو مسجونين أو مقتولين. ومع عدم ترك أحد ليتحمل اللوم، يقول كوك، أصبح السيسي لا يحظى بشعبية واضحة. وتظهر السرعة التي اختفت بها تصريحات يوم الأحد من الإنترنت مدى معرفة السيسي بذلك.

كان إعلان إعادة انتخابه لا يزال يسبقه التجمعات التقليدية، ظاهريًا دعوات شعبية للضغط على الرئيس. وبغض النظر عمن نظمها، في عام 2014، كانت هناك طاقة لهذه المسيرات. لكن مع كل دورة انتخابية، أصبحت تلك التجمعات أكثر روتينية من أي وقت مضى، بحضور مسؤولين حكوميين وطلاب مدارس ومجموعات الكشافة التي تنقل في حافلات صغيرة، أو مجرد مارة.

بحلول مساء الاثنين، تحولت إحدى تلك التجمعات على الأقل إلى احتجاج. وبعد إعلان السيسي أنه «سيستجيب للدعوة» للترشح لإعادة انتخابه، مزقت مجموعات من الرجال في مدينة مرسى مطروح الساحلية لافتات الرئيس وسط هتافات الحشد وأحرقوها في الشارع. ويُظهر مقطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي مشاركين في التجمع يعيدون ترديد هتاف شعبي من احتجاجات 2011: «الشعب يريد إسقاط النظام».

الموضوع التالي فاينانشيال تايمز: مرشحون مصريون يزعمون أن الترهيب يستخدم لخنق أصوات المعارضة
الموضوع السابقبلومبرج: وكالة موديز تخفض تصنيف مصر وسط محدودية الخيارات السياسية