واشنطن بوست: مرحبًا بكم في النسخة «الجديدة» من الشرق الأوسط الجديد

خلاصة

لن تتحدد منطقة الشرق الأوسط، ما بعد 7 أكتوبر، فقط من خلال المنافسة والمصالحة بين الدول التي بدت وكأنها تعيد تشكيل الشرق الأوسط في الأشهر الأخيرة، ولكن من خلال شبكة من الجهات الفاعلة المارقة غير الحكومية التي لن تختفي - حتى لو «تحول تركيزنا» عن المنطقة، وفق ما يخلص تحليل...

نشرت صحيفة واشنطن بوست تحليلًا للكاتب إيشان ثارور يسلط الضوء فيه على بزوغ ما وصفه الكاتب بالنسخة الجديدة من الشرق الأوسط الجديد. 

أعاد الكاتب للأذهان في مستهل تحليله ما فعله بنيامين نتنياهو في سبتمبر 2012 أمام الأمم المتحدة عندما استخدم رسمًا توضيحيًا لقنبلة، وطالب العالم بوضع خط أحمر واضح بشأن برنامج إيران النووي.

هذه المرة وفي خطابه بالأمم المتحدة في سبتمبر 2023، عرض لنتنياهو صورة مختلفة - خريطة بعنوان «الشرق الأوسط الجديد»، تصور جزءًا من المنطقة مظللًا باللون الأخضر. وشمل ذلك إسرائيل كلها من نهر الأردن إلى البحر المتوسط، مع عدم وجود حدود تبين الأرض الفلسطينية المحتلة، وكذلك دول مثل مصر والمملكة العربية السعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة. وكانت هذه دول عربية قامت بالفعل بتطبيع العلاقات مع إسرائيل أو، كما في الحالة السعودية، كانت منخرطة في محادثات لإقامة علاقات رسمية مع الدولة اليهودية.

أخرج نتنياهو علامته الحمراء ورسم خطًا قطريًا من دبي على طول الخليج العربي، عبر إسرائيل ونحو موانئ جنوب أوروبا. وأشاد بالظهور المفترض لـ «ممر» التنمية الذي جمع بين هذه الدول العربية وإسرائيل في قلب محور جديد للتجارة العالمية يربط آسيا بأوروبا.

وقال نتنياهو «قبل بضع سنوات، وقفت هنا بعلامة حمراء لإظهار اللعنة، لعنة كبيرة، لعنة إيران النووية. لكن اليوم، أحضر هذه العلامة لإظهار نعمة عظيمة. نعمة الشرق الأوسط الجديد، بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية وجيراننا الآخرين».

شرق أوسط «جديد» 

وأوضح الكاتب أن نتنياهو لم يكن وحده في التعبير عن هذه الرؤية لشرق أوسط «جديد». قبل انفجار الحرب الأسبوع الماضي بين إسرائيل وحركة حماس، لاحظ عديد من المحللين كيف تتغير الصفائح التكتونية الجيوسياسية في المنطقة تغيرًا مطردًا.

أشارت اتفاقات أبراهام - الصفقات المدعومة من الولايات المتحدة المبرمة بين إسرائيل ومجموعة من الأنظمة الملكية العربية في الغالب - إلى رغبة سياسية في الخروج من النماذج القديمة التي حددت الوضع الراهن المحموم في الشرق الأوسط. 

وأشار التقارب المؤقت بين السعودية وإيران إلى انخفاض مرحب به في التوتر داخل التنافس الأكثر سخونة في المنطقة. وسلطت حقيقة أن الصين توسطت فيها، جزئيًا، الضوء على حقيقة أخرى: بينما حاولت الولايات المتحدة صراحةً فصل نفسها عن مستنقعات وصراعات المنطقة، كانت قوى أخرى في عالم «متعدد الأقطاب» تشق طريقها إلى المنطقة.

محور رادع

وأشار الكاتب إلى أن تراجع الدور الأمريكي كان عاملًا واحدًا فقط في إعادة التنظيم الجارية. وشملت بعض العوامل الأخرى نهاية ما يسمى بالربيع العربي، مع تلاشي الحركات السياسية الإسلامية والمؤيدة للديمقراطية بعد عقد من الصراع وعدم الاستقرار والثورة المضادة. 

كانت الدول العربية الرجعية التي عملت على تقويض تلك الحركات - خاصة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية - تبتعد عن المعارك الأيديولوجية نحو أجندة أكثر واقعية. وكان ذلك مدفوعًا بالحاجة المتزايدة إلى قيام دول النفط بتنويع اقتصاداتها بينما يحاول العالم إزالة الكربون. 

ولفت الكاتب إلى أن إدارة بايدن وضعت الكثير من بيضها الإقليمي في سلة التطبيع السعودي الإسرائيلي في الأشهر السابقة. ولم تكن الصفقة قريبة، لكن البيت الأبيض كان مقتنعًا بثقلها الاستراتيجية: إذا كان لإسرائيل الدولة الأكثر قوة من الناحية الجيوسياسية والعالم العربي إلى جانبها رسميًا، وضمنتها ضمانات أمنية أمريكية كبيرة، فستكون بمثابة قلب للصفحة في الشرق الأوسط. 

ويمكن أن تخلق العلاقات الإسرائيلية الوثيقة مع السعوديين محورًا رادعًا ضد إيران يسمح لواشنطن بالتركيز بشكل أفضل على منافستها مع الصين والتحدي التاريخي للحرب في أوكرانيا.

الشرق الأوسط «القديم» لم يمت لكن، وحسب ما يضيف الكاتب، اتضح أن الشرق الأوسط «القديم» من المستحيل دفنه. وقد أعقب فورة حماس الدامية هجومًا إسرائيليًا ضاريًا ومتواصلًا أسفر عن مقتل وتشريد الآلاف. وقد شهدت تلك الأحداث تدفقًا كبيرًا من الدعم للقضية الفلسطينية في جميع أنحاء العالم العربي، وكذلك في البلدان ذات الأغلبية المسلمة في أماكن أبعد. وقد جمدت تلك الحرب أي حديث عن تقارب سعودي إسرائيلي وشيك.

كتب ستيفن كوك في مجلة فورين بوليسي: «ستكون نقطة البداية للشرق الأوسط الجديد هي إعادة احتلال إسرائيل لقطاع غزة، وليس سفارة إسرائيلية في الرياض».

يبدو أمل نتنياهو الواضح في تهميش الفلسطينيين في خريطة إقليمية أوسع أكثر سذاجة من أي وقت مضى، خاصة وأن جيران إسرائيل يرون في العنف المتصاعد دليلًا على السبب الجذري - عدم وجود عملية لمنح الفلسطينيين دولتهم أو حقوقهم السياسية المتساوية. وخلص مراد يسيلتاس في صحيفة ديلي صباح التركية الموالية للحكومة إلى أن «أحداث 7 أكتوبر قد تغلق مؤقتًا الباب أمام الشرق الأوسط الجديد، وقد تعتمد إعادة فتحه على المسار الذي تختاره إسرائيل فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية».

وهم يتبدد

وأضاف الكاتب أن حماس أعلنت بأكثر الطرق وضوحًا وإيلامًا وقتلًا، بحسب ما كتب ميرون رابابورت في صحيفة عبرية يسارية، وأوضح أن «الصراع الذي يهدد حياة الإسرائيليين» هو الصراع مع الفلسطينيين، وفكرة أنه يمكن تجاوز الصراع الفلسطيني عبر الرياض أو أبو ظبي، أو أن 2 مليون فلسطيني مسجونين في غزة سيختفون إذا قامت إسرائيل ببناء سياج شديد التحصين، هو وهم يتحطم الآن بتكلفة بشرية باهظة.

ونوَّه الكاتب  إلى أن الولايات المتحدة تُجر الآن إلى التورط في الشرق الأوسط وتتصاعد التوترات مع إيران، حليفة حماس. ويبدو أن احتمال دخول حزب الله، الوكيل اللبناني لإيران، المعركة بالكامل يبدو أكثر احتمالًا يومًا بعد يوم.

بزوغ شرق أوسط جديد «جديد» 

وكتب ماثيو بوروز وروبرت مانينغ من مركز ستيمسون: «إذا شاركت الولايات المتحدة مشاركة مباشرة أكثر في القتال، فيمكن أن يقلب ما كان يُنظر إليه على أنه رغبة إدارتي ترامب وبايدن في التراجع عن المنطقة لصالح زيادة التركيز على الصين وحرب أوكرانيا وروسيا»، الأمر الذي يسلط الضوء على بزوغ «شرق أوسط» جديد «جديد».

وفي تحليلهم، فإن ما بعد 7 أكتوبر، لن تتحدد المنطقة فقط من خلال المنافسة والمصالحة بين الدول التي بدت وكأنها تعيد تشكيل الشرق الأوسط في الأشهر الأخيرة، ولكن من خلال شبكة من الجهات الفاعلة المارقة غير الحكومية التي لن تختفي - حتى لو «تحول تركيزنا».

والأكثر إلحاحًا، أن اللحظة الحالية تسلط الضوء أيضًا على أوجه عدم المساواة الهائلة التي تنتشر في الشرق الأوسط. مهما كانت الثروة التي لا نهاية لها للعائلة المالكة السعودية أو الإماراتية، هناك فقر اليمن والبؤس الدائم للاجئين السوريين. وبغض النظر عن ثقة وبراعة القطاع الخاص الإسرائيلي، هناك الخلل الوظيفي في لبنان المجاور ويأس ملايين الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال لأكثر من نصف قرن.

أوضحت الإيكونوميست الشهر الماضي أن «الفائزين الجدد في الشرق الأوسط يجسدون عقلية المعاملات التي قد تجعلهم أكثر ثراءً. أما الخاسرون فهم تذكير بأنه في عالم تتراجع فيه القيم والمبادئ، لا أحد قادم للإنقاذ».

وفيما يخص نتنياهو - نذير الشرق الأوسط «الجديد» - فإن الشرق الأوسط الجديد «الجديد» قد يكون مكانًا لا يرحم. وتظهر استطلاعات الرأي الإسرائيلية أن الأغلبية تلقي باللوم على حكومته لفشلها في حماية الإسرائيليين من أكثر الأيام دموية في تاريخ بلادهم. وقد يكون من الصعب إنقاذ حياته السياسية بمجرد توقف هذه الجولة من الحرب.

وقال سولون سولومون، المحامي السابق في الكنيست وأستاذ القانون الدولي في جامعة برونيل بلندن: «من شبه المؤكد أنه بمجرد انتهاء العملية البرية، بعد بضعة أشهر، ستأتي نهاية رئيس الوزراء نتنياهو بوصفه رئيسًا للوزراء».

الموضوع التالي جيوبوليتيكال مونيتور: الشرق الأوسط على حافة الهاوية: لماذا يجب أن يتوقف الصراع في غزة
الموضوع السابقصالة التحرير يناقش قصف معبر رفح والاجتياح البري لغزة وقمة القاهرة للسلام وتهجير الفلسطينيين بسيناء