تصدي إعلامي وتضييق رسمي على حملات مقاطعة داعمي الاحتلال بحجة تلافي تعمق الركود
أشعل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، موجات غضب لدى المصريين، زادت حدتها مع عدم قدرتهم على مد يد العون للفلسطينيين المحاصرين في القطاع، لتتصاعد دعوات المقاطعة بحق قائمة كبيرة من الشركات الدعمة للاحتلال. بينما تنشط في المقابل حملات مضادة لكبح المقاطعة بحجة تلافي تعمق الركود في الاقتصاد.
أشعل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، موجات غضب لدى المصريين، زادت حدتها مع عدم قدرتهم على مد يد العون للفلسطينيين المحاصرين في القطاع، لتتصاعد دعوات المقاطعة بحق قائمة كبيرة من الشركات الدعمة للاحتلال والتي تتسع أنشطتها لتشمل الأغذية والمشروبات ومستحضرات التجميل وحتى السيارات، بينما تنشط في المقابل حملات مضادة لكبح المقاطعة بحجة تلافي تعمق الركود في الاقتصاد الذي يواجه صعوبات كبيرة، وكذلك أن فروع الكثير من هذه الشركات قائمة على استثمارات محلية.
ويوسع المصريون دعوات مقاطعة البضائع الإسرائيلية والأجنبية على الرغم من القيود التي فرضتها شركات مواقع التواصل الاجتماعي، لاسيما "فيسبوك" و"إكس" على القضايا المتعلقة بالحرب في غزة، وتعتبر انتقاد الجمهور لما يرتكبه الاحتلال من مجازر، أفعالا عنصرية، وتتولى حذفها وتقييد حسابات ناشريها.
وتحشد شخصيات وطنية ومؤسسات مدنية دعوات مكثفة لمقاطعة العلامات التجارية الشهيرة التي أعلنت صراحة عن دعمها للاحتلال الإسرائيلي أو مرتبطة بكيانات أميركية وأوروبية وآسيوية لدعم دولها الحرب الإسرائيلية. وشملت دعوات المقاطعة منتجات، "ماكدونالدز" و"هارديز" و"برجر كينج" للأطعمة و"نستله" و"كوكا كولا" و"لبتون" و"ستار باكس" للمشروبات و"هيونداي" الكورية الجنوبية للسيارات، و"تايد" و"اريال" للمنظفات و"لوريا" للتجميل، و"إتش بي" و"أي بي إم" للكمبيوتر والبرمجيات، و"نايكي" و"بوما" للملابس والمستلزمات الرياضية.
في المقابل، تلقت المطالب الشعبية تحذيرات من مؤسسات إعلامية يديرها رجال أعمال يحصلون على حق امتياز لهذه المنتجات بالسوق المصرية، ولا يرغبون في توسيع القاعدة الجماهيرية لمقاطعة تلك المنتجات. ويبرر رجال الأعمال موقفهم بأنهم حصلوا على امتياز شراء اسم العلامة التجارية للعمل محليا، بنظام "فرانشايز"، مقابل عمولة تدفع دورياً لصاحب العلامة، بينما باقي المكونات التي تشمل العمالة والمنتجات مصرية، منوهين إلى سوء الأوضاع الاقتصادية في البلد بالأساس ودخول الشركات الخاصة في ركود متواصل منذ 33 شهراً.
ويقول رشاد عبده، خبير التمويل والاستثمار، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنه لابد من أن تتوجه إجراءات المقاطعة فوراً للسلع الأميركية تامة الصنع، لحصول إسرائيل على دعم قوى من الولايات المتحدة لمواصلة الاعتداء على غزة، وفي ظل وجود رئيس بالبيت الأبيض وكونغرس يقف وراء إسرائيل بقوة.
ويشير عبده إلى ضرورة أن تميز حملات المقاطعة بين السلع المنتجة داخل الولايات المتحدة، والعلامات التجارية الشهيرة المرتبطة بها، عبر اتفاقيات "فرانشايز"، التي أصبحت من حيث الواقع منتجا محليا يعتمد على استثمارات وعمالة مصرية. ويرى أن مقاطعة العلامات التجارية، سيقع ضرره الأول على المستثمرين والعمالة المحلية، لذا يقترح أن تمارس الجهات المنفذة للمقاطعة ضغوطاً على أصحاب تلك المشروعات لتغيير "العلامة التجارية" بدلاً من الأسماء الأميركية أو الفرنسية وغيرهما، لتحمل أسماءً محلية، طالما تمتلك الخبرة الفنية التي تحافظ بها على جودة المنتج، وبما يحمي الصناعات المحلية من التوقف.
ويشير إلى تجربة روسيا في هذا الشأن، بعد الحصار الذي فرضه الغرب على أسواقها عام 2022، ولجوئها إلى تغيير أسماء المطاعم الأميركية إلى أخرى قريبة الشبه بها بالروسية، لتحافظ على دوران حركة الأعمال بأسواقها وحقوق العاملين.
ويؤكد أن هذه الطريقة تحتاج إلى توعية رجال الأعمال بأهمية مشاركتهم في المقاطعة الشعبية، مع التزام منظمي المقاطعة بإصدار قوائم محددة بدقة للشركات والمنتجات، يتم مراجعتها من مؤسسات بحثية وفنية محترمة، تتولى مكاشفة الجمهور بعلاقة هذه الشركات بالدول المعتدية، حتى تنفذ حملات المقاطعة على الشركات المستهدفة، لفترة زمنية طويلة، بما يضمن تأثيرها المطلوب على المدى البعيد.
بدوره، يقول رفعت سيد أحمد، الخبير في ملف الصراع العربي الإسرائيلي، إن "المقاطعة الاقتصادية" من الأسلحة التي أثبتت فعاليتها خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000، حيث كبدت المنتجات الأميركية نحو 750 مليون دولار، مشيرا في حديثه مع "العربي الجديد" إلى أهمية التأثير النفسي بجانب البعد الاقتصادي، الذي يخلق حالة مناعة لدى الأفراد وشعورا عاما بالمشاركة، في مقاومة العدوان الإسرائيلي.
ويقترح سيد أحمد أن تبدأ حملات المقاطعة للسلع الأميركية والفرنسية والبريطانية باعتبار هذه الدول شاركت بأساطيلها الحربية في دعم العدوان، وتقديم السلاح لدك غزة بالقنابل والصواريخ. لكنه يحذر من الإسراع في تنفيذ مقاطعة العلامات التجارية الأجنبية التي حصل عليها رجال أعمال مصريون، باسم الشركات الأجنبية، مؤكدا أن المقاطعة بهذه الطريقة تشبه من يطلق على قدمه الرصاص.
ويضيف أن الأمر يقتضي إقناع رجال الأعمال بأن سلاح المقاطعة موجه لمصلحتهم، عندما يطلب منهم خلق علامات ومنتجات بديلة للسلع والخدمات التي يقاطعها الجمهور بالداخل. ويلفت إلى أهمية أن يستغل رجال الأعمال حالة الغلاء الناجمة عن استيراد منتجات أميركية أو غربية، في تدبير بدائل محلية رخيصة، تلبي شرعية المقاطعة الشعبية، والحالة الاقتصادية للدولة معاً.
ويعول سيد أحمد على إحياء لجان المقاطعة في الأحزاب والنقابات المهنية والعمالية، التي ظلت راعية لمبادرة المقاطعة لسنوات حتى تحولت إلى حركة دولية، وساهمت في الضغط على الدول الغربية. وأحيت لجنة الصحافيين لجنة المقاطعة الشعبية للبضائع الإسرائيلية والغربية، في تظاهرة داعمة للمقاومة في غزة الأسبوع الماضي.
في المقابل، تحجب السلطات المصرية أي أرقام متعلقة بحجم ونوعية التجارة مع الكيان الصهيوني وخاصة حركة السائحين، فيما تدير الأجهزة الأمنية عدداً من الشركات التي تتولى التنسيق مع الجانب الإسرائيلي إدارة صفقات الغاز والبترول والنقل البحري والمناطق الصناعية الخاصة لاتفاقية "الكويز"، بينما تصدر البيانات الاقتصادية عادة من الجانب الإسرائيلي.
وكشفت وزارة الاقتصاد والصناعة في دولة الاحتلال، عن توقيع القاهرة وتل أبيب اتفاقية عام 2022، لزيادة حجم التبادل التجاري إلى 700 مليون دولار، حتى عام 2025، لا تتضمن دخل السياحة، وصفقات الغاز المقدرة حالياً بنحو 2.5 مليار دولار سنوياً. ويقضي العقد، بتزويد مصر بنحو 250 ألف وحدة حرارية يومياً، بواقع 64 مليار متر مكعب من الغاز بقيمة 15 مليار دولار، على فترة 10 سنوات، تبدأ 2019، بين شركة "ديليك" الإسرائيلية و"نوبل انرجي" الأميركية المملوكة لإسرائيليين و"دولفينوس" التي أسسها رجل الأعمال المصري علاء عرفة وثيق الصلة بمؤسسة الرئاسة لإدارة ملف الغاز منذ عام 2017، وصناعة النسيج المتبادلة بين الجانبين ضمن اتفاقية "الكويز" الموقعة عام 2005، ودخلت حيز التنفيذ كاملة في 2016.
ومنحت اتفاقية "الكويز" إسرائيل فرصة أن تحتل صناعة النسيج بها أولوية في دخول الأسواق المصرية رغم رداءة المكونات، باعتبارها بوابة لدخول المنتج المصري للأسواق الأميركية بدون جمارك أو حصص إنتاجية. وتمثل المنسوجات ومستلزمات الملابس 39% من صادرات الاحتلال لمصر، التي تتم في إطار اتفاقية "الكويز" التي تشترط وجود مكون إسرائيلي بالمنتجات المصرية بنسبة 11%، لدخول الأسواق الأميركية. وتأتي الكيماويات وتكرير النفط في المرتبة الثانية بنسبة 27%، و17% للمواد الخام والبلاستيك و7% للأثاث وورق الطباعة و3% للتعدين والمحاجر و2% للسيارات ومستلزماتها و5% منتجات متنوعة.
في المقابل، تحتل الكيماويات المرتبة الأولى في صادرات مصر إلى دولة الاحتلال، بنسبة 24%، والمنسوجات والملابس 13%، والأغذية والمشروبات والتبع 12%، والمنتجات المعدنية 10%، والبلاستيك والمطاط 8%، والمحاصيل الزراعية 8%، ومنتجات متنوعة بنسبة 25%، أغلبها مرتبط بمعدات إلكترونية وقطع غيار أطباق الفضائيات والكمبيوتر والهواتف النقالة.
ربطت السلطات الناقل الوطني "مصر للطيران" بالكيان الصهيوني، بتوقيعها على اتفاق يسمح بتيسير رحلات جوية مباشرة بين القاهرة وتل أبيب منذ أكتوبر/تشرين الأول 2021، بعد أن كان السفر قاصراً على رحلات الطيران العارض الذي لا يحمل العلم المصري، و"العال" الإسرائيلية، منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد 1979، مقابل رفع إسرائيل قيود سفر الأفراد والسيارات المفروضة منذ 2008، على زيارة سيناء.