فورين بوليسي: المعارضون المصريون هم الضرر الجانبي لدعم الولايات المتحدة لإسرائيل
تتجاهل واشنطن انتهاكات السيسي لحقوق الإنسان مقابل فرضه للحصار على غزة، وفق ما يخلص مقال نشرته مجلة فورين بوليسي.
نشرت مجلة فورين بوليسي مقالًا كتبه عبد الرحمن الجندي، كاتب وصحفي مصري كان سجينًا سياسيًا في مصر من 2013 إلى 2020، يتناول كيف تأثرت المعارضة المصرية بموقف واشنطن المؤيد لإسرائيل.
يشير الكاتب في مستهل مقاله إلى أنه اعتقل في 2013 أثناء مشاركته في مظاهرة ضد الانقلاب العسكري الذي أوصل السيسي إلى السلطة، وأنه حكم عليه بالسجن 15 عامًا وأفرج عنه في 2020 بعد استئناف على الحكم.
وتطرق الكاتب للحديث عن معاناته إلى جانب عشرات الآلاف من السجناء السياسيين في السجون المصرية وتعرضهم للانتهكات الحقوقية الجسيمة.
دعم أمريكي
ولفت الكاتب إلى أن نظام السيسي العسكري يتلقى دعمًا ماليًا وسياسيًا واسع النطاق من الحكومة الأمريكية، وذلك في المقام الأول لخدمة الهدف الأمريكي المتمثل في الحفاظ على أمن إسرائيل، وكذلك للتعاون في مكافحة الإرهاب.
وقال إن دعم الولايات المتحدة الراسخ لإسرائيل أصبح تحت تدقيق متزايد وسط الفظائع التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة. ويتعرض القطاع لقصف إسرائيلي عنيف وحصار شامل منذ ثلاثة أسابيع. وقد قُتل الآلاف مع تفاقم الأوضاع الإنسانية سوءًا.
أضرار جانبية
وأوضح الكاتب أن الفلسطينيين يدفعون الثمن الأكبر لدعم واشنطن لإسرائيل. لكن السجناء السياسيين المصريين أصبحوا بمثابة أضرار جانبية أيضاً.
ونوَّه الكاتب إلى المساعدات العسكرية التي تتلقاها مصر من واشنطن منذ توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل، والتي جعلتها ثاني أكبر متلق أجنبي للمساعدات الامريكية بعد إسرائيل.
ولفت إلى المعضلة التي واجهت واشنطن بعد الانقلاب العسكري في عام 2013 في ضوء القانون الأمريكي الذي يحظر تقديم المساعدات لدولة وقع فيها انقلاب، وهي معضلة تجاوزتها إدارة بايدن من خلال عدم تسمية ما حدث بالانقلاب.
وواصلت الحكومة الأمريكية منذ ذلك الحين استخدام المناورات القانونية والمنطقية لدعم النظام العسكري في مصر وتعزيز أمن إسرائيل. وقد سار على هذا النمط رؤساء وإدارات كلا الحزبين، من الرؤساء السابقين باراك أوباما إلى دونالد ترامب والآن الرئيس جو بايدن.
ضمان أمن إسرائيل
ووفقًا للكاتب، ورغم أن الرئيس بايدن كرر في حملته الانتخابية بأنه لن يمنح مزيدًا من الشيكات على بياض لديكتاتور ترامب المفضل، إلا أن الصراع في إسرائيل غيّر خطابه بسرعة – وعلى نحو جذري.
وأوضح الكاتب أن الحرب التي اندلعت في مايو 2021 أتاحت للسيسي فرصة ذهبية لتأكيد نفسه باعتباره حليفًا لا غنى عنه للولايات المتحدة في المنطقة. وسرعان ما تدخل للتوسط في وقف إطلاق النار بين إسرائيل والفصائل في غزة واستعادة حظوظه لدى إدارة بايدن.
وفي ذلك العام وجدت الإدارة الأمريكية مخارج قانونية للالتفاف على حجب المساعدات لمصر بسبب الانتهاكات الحقوقية، وهي الخطوة الت انتقدتها الجماعات الحقوقية وأكدت مرة أخرى أن واشنطن تجعل الحفاظ على استقرار إسرائيل أهم من محنة عشرات الآلاف من السجناء السياسيين والمعارضين المصريين.
تتمتع الولايات المتحدة بنفوذ كبير على مصير السجناء السياسيين في مصر. ومنذ عام 2013، كان أي مرونة أظهرها نظام السيسي فيما يتعلق بحقوق الإنسان تأتي في الغالب استجابة للضغوط الأمريكية، مثل ما حدث مع المبادرات التي أطلقها السيسي لتحسين سجله الحقوقي كالعفو عن السجناء وإطلاق حوار وطني وغيرها من المبادرات.
ولفت الكاتب إلى أن تسامح واشنطن مع نظام السيسي شجعه على الاستمرار في انتهاكاته. وعلى الرغم من أن واشنطن تتمتع بالنفوذ للتأثير الكبير فيما يتعلق بمصير السجناء السياسيين في مصر، إلا أن أفعالها ترقى إلى مستوى المقايضة: في مقابل إصلاحات طفيفة ومخادعة مقترنة بالتعاون المستمر بشأن أمن إسرائيل، ستتجاهل الولايات المتحدة المسؤولية الإنسانية لانتهاكات الحكومة المصرية.
ويرى الكاتب أن بصيصًا من الأمل في أن تغير واشنطن موقفها من القاهرة ظهر في أعقاب تفجر فضيحة السيناتور بوب مينينديز لكن الحرب اندلعت وتبدد هذا الامل .
هناك نمط مألوف يحدث الآن: يتدخل السيسي، ويتواصل مع بايدن، ويقدم نفسه باعتباره وسيطًا رئيسًا في المنطقة. وفي الأسبوعين الأولين بعد السابع من أكتوبر، زادت الولايات المتحدة ودول غربية أخرى الضغط على مصر لاستيعاب الفلسطينيين الفارين من غزة. وقد عارض السيسي هذا الاقتراح بشدة، على الرغم من حملة الضغط الدولية على مصر، والتي قيل إنها كانت ستتضمن حوافز مالية كبيرة لاستقبال اللاجئين.
وخلال عطلة نهاية الأسبوع، تراجع بايدن وأعلن أن واشنطن لن تواصل بعد الآن جهودها لنقل الفلسطينيين إلى مصر أو أي مكان آخر. ومع ذلك، فإن نبرة الامتنان التي أبداها تجاه السيسي تشير ضمنًا إلى أن الرئيس المصري نجح مرة أخرى في الحصول على موافقة بايدن، مما يضمن استمرار الولايات المتحدة في التغاضي عن انتهاكاته المستمرة لحقوق الإنسان. وفي يوم الثلاثاء، فتحت مصر مؤقتًا معبر رفح الحدودي مع غزة للسماح لبعض الفلسطينيين الذين يحملون جنسيات أجنبية واحتياجات طبية خطيرة بمغادرة القطاع، في خطوة من المرجح أن تحظى بمزيد من حسن النية من جانب واشنطن.
خفف السيسي مؤقتًا قوانين مصر الصارمة لمكافحة الاحتجاج لتشجيع المصريين على التضامن علنًا مع الفلسطينيين. لكن مظاهراته التي دعمتها الدولة سرعان ما تصاعدت إلى احتجاج أوسع نطاقا من أجل العيش والحرية - مرددة صدى الشعارات الثورية للربيع العربي. وتجمع فصيل من المتظاهرين في ميدان التحرير، رمز الثورة المصرية عام 2011، معترضين ليس فقط على السياسات الإسرائيلية، بل أيضًا على حكم السيسي.
واعتقلت قوات الأمن حتى الآن أكثر من 100 شخص – بينهم قاصرون – من الاحتجاجات ومداهمات المنازل اللاحقة.
ويقول الكاتب في ختام مقاله إنه وفي ظل ما يبدو أنه تساهل تدعمه الولايات المتحدة تجاه انتهاكات السيسي لحقوق الإنسان وسط الحرب بين إسرائيل وحماس، يواجه السجناء السياسيون المصريون وعامة الشعب مرة أخرى مسألة قيمتهم في الدبلوماسية الأمريكية. فهل يُنظر إلى المعارضين المصريين مرة أخرى على أنهم أضرار جانبية في إطار الهدف الأمريكي الأوسع المتمثل في ضمان استقرار إسرائيل؟