مركز صوفان: ما هو دور مصر في مستقبل غزة؟
قرب مصر من قطاع غزة وعلاقتها التاريخية بها، فضلًاعن علاقاتها مع إسرائيل، يجعل من القاهرة محورًا أساسيًا للتوصل إلى نتيجة مستقرة للصراع بين إسرائيل وحماس. ورغم أن مصر تحث علنًا على وقف إطلاق النار، فإن لها تاريخًا من العداء مع حماس، وسوف ترحب سرًا بحكومة جديدة في غزة ترفض العنف...
نشر موقع مركز صوفان تقريرًا يستشرف الدور الذي يمكن أن تضطلع به مصر في مستقبل غزة في ضوء الحرب المحتدمة بين إسرائيل وفصائل المقاومة في قطاع غزة.
نقاط رئيسة:
- قرب مصر من قطاع غزة وعلاقتها التاريخية بها، فضلًاعن علاقاتها مع إسرائيل، يجعل من القاهرة محورًا أساسيًا للتوصل إلى نتيجة مستقرة للصراع بين إسرائيل وحماس.
- السيطرة المصرية على معبر رفح، المنفذ الوحيد الذي لا يزال مفتوحًا في غزة، وضعت القيادة المصرية في قلب الجهود الرامية إلى حماية سكان غزة من آثار الحرب.
- ورغم أن مصر تحث علنًا على وقف إطلاق النار، فإن لها تاريخًا من العداء مع حماس، وسوف ترحب سرًا بحكومة جديدة في غزة ترفض العنف السياسي وتلتزم بالمفاوضات مع إسرائيل.
- ولا ترغب القاهرة في تدفق أعداد كبيرة من لاجئي غزة إلى شبه جزيرة سيناء بسبب عدم اليقين بشأن ما إذا كان اللاجئون سيعودون إلى ديارهم ومتى.
لا غنى عنها لحل الصراع
ووفقًا للتقرير، فعلى مدى العقدين الماضيين، مع حلول التهديد الإيراني للدول العربية محل المخاوف بشأن النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، تضاءل نفوذ مصر الإقليمي مقابل نفوذ ممالك الخليج العربية، التي تتمتع الآن بنفوذ كبير ليس فقط في المنطقة، ولكن على مستوى العالم.
ومع ذلك، وبسبب عدد سكانها الكبير، وموقعها الجغرافي، ووضعها كأول دولة عربية توقع معاهدة سلام مع إسرائيل، ظلت مصر أساسية في أي حل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
ويُقدم التقرير نظرة تاريخية على إدارة قطاع غزة منذ حرب عام 1948 وإلى الوضع الراهن حيث تدير مصر معبر رفح الحدودي بين القطاع ومصر وهو المعبر الوحيد خارج السيطرة الإسرائيلية، لافتًا إغلى سيطرة حماس على القطاع منذ 2007 .
بين السر والعلن
ونوَّه الموقع إلى أن مصر لم تنظر إلى حماس باعتبارها تعرقل الحل الدائم للصراع الإسرائيلي الفلسطيني فحسب، بل باعتبارها أيضا حليفًا لتنظيم الإخوان المسلمين الذي عارض نظام الرئيس السابق حسني مبارك. ووصل الرئيس الحالي، عبد الفتاح السيسي، إلى السلطة في عام 2013 بعد الإطاحة التي قادها الجيش بالرئيس المنتخب محمد مرسي، وهو شخصية بارزة في جماعة الإخوان المسلمين المتعاطفة مع حماس والحركات الإسلامية الإقليمية.
وفي سعيهم إلى تحقيق الاستقرار الإقليمي، يدعم زعماء مصر والدول العربية الأخرى سرًا نتائج ما بعد الحرب بين إسرائيل وحماس ذاتها التي يدعو إليها المسؤولون الأميركيون ــ استعادة حكم السلطة الفلسطينية/منظمة التحرير الفلسطينية في غزة في نهاية المطاف.
ومن شأن هذه النتيجة أن توحد البنية السياسية في غزة مع تلك الموجودة في الضفة الغربية التي تديرها السلطة الفلسطينية، والتي طالما دعم قادتها المفاوضات مع إسرائيل ونبذوا استخدام العنف السياسي أو الإرهاب كوسيلة لتحقيق أهداف سياسية.
ومع ذلك، مثل عديد من القادة الإقليميين والعالميين الآخرين، أدان السيسي وحلفاؤه العرب جميعًا النهج الإسرائيلي تجاه الصراع في غزة، والذي أدى إلى مقتل الآلاف من المدنيين الفلسطينيين، بما في ذلك عديدًا من الأطفال. وقد استُهدفت من المستشفيات في غزة منذ بدء النزاع قبل أكثر من شهر.
وأفادت التقارير أن الرئيس السيسي دعا إلى وقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة خلال اجتماعه مع مدير وكالة المخابرات المركزية الزائر ويليام بيرنز في 7 نوفمبر. وكرر السيسي هذه الدعوة خلال عطلة نهاية الأسبوع في القمة الإسلامية العربية المشتركة في الرياض بالمملكة العربية السعودية، معلنًا ضرورة وقف فوري ومستدام لإطلاق النار في غزة دون قيود أو شروط.
مخاوف التهجير
ومع إدراكها لقدرتها المحدودة على التأثير على العمليات الإسرائيلية، سعت القاهرة إلى عزل نفسها عن تداعيات القرارات الإسرائيلية. لكن القاهرة سعت إلى تحقيق التوازن بين دعمها للسكان المدنيين في غزة والتداعيات الأمنية المترتبة على السماح لأعداد كبيرة من سكان غزة بالنزوح إلى مصر.
وأضاف التقرير أن القاهرة عملت مع مسؤولين أمريكيين وقطريين وإسرائيليين ودوليين آخرين لزيادة تدفق المساعدات الإنسانية عبر معبر رفح لتوزيعها على المدنيين في غزة. وبعد عدة أيام من التأخير والتردد في أعقاب هجوم حماس، مكنت مصر أيضًا المواطنين الأجانب من مغادرة غزة عبر ذلك المركز الحدودي.
ومع تحول الجانب الإنساني للصراع إلى ضرورة أساسية للمفاوضات، بما في ذلك المفاوضات بشأن الرهائن، فإن مصر سوف تلعب حتمًا دورًا أكثر مركزية، نظرًا لسيطرتها على معبر رفح.
ويوفر حجم المساعدات الإنسانية التي تتدفق إلى غزة لمصر مقعدًا رئيسًا على طاولة المفاوضات في الصراع، وخاصة فيما يتعلق بقضية الرهائن.
وقد عارضت الحكومة المصرية بشدة السماح لسكان غزة بالدخول إلى مصر، بما في ذلك الاقتراحات الإسرائيلية وغيرها بأن سكان غزة يمكن إسكانهم مؤقتًا في سيناء المجاورة. ويسعى المسؤولون المصريون، بأي ثمن تقريبًا، إلى تجنب عبء اللاجئين الذي تتحمله دول إقليمية مثل الأردن ولبنان وتركيا ودول أخرى من خلال استضافة أعداد كبيرة من اللاجئين من العراق وسوريا الذين فروا من الحروب هناك.
ويشتبه بعض الزعماء المصريين في أن إسرائيل تسعى ـ من أجل ضمان عدم عودة أي تهديد من غزة ـ إلى تهجير السكان المدنيين في غزة على نحو دائم في مصر وأجزاء أخرى من العالم العربي. ومن وجهة نظر أمنية، تخشى السلطات المصرية أيضًا زيادة التهديد الإرهابي المستمر منذ عقد من الزمن والناشئ عن الجماعات التابعة لتنظيم الدولة والفصائل الإسلامية الأخرى العاملة في شبه جزيرة سيناء.
وبحسب ما ورد، يقدر بعض المسؤولين المصريين أن حماس أو مسلحين فلسطينيين آخرين سيعملون في أي مخيمات للاجئين في سيناء، ومن المحتمل أن يعملوا على تمكين الجماعات المسلحة الموجودة في سيناء.
دور مصري محتمل
وأضاف التقرير أن القادة المصريين مترددون في تحمل المخاطر السياسية والعسكرية التي قد تكون ضرورية للمساعدة في تأمين المنطقة بعد انتهاء العمليات العسكرية الإسرائيلية. ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة وول ستريت جورنال، رفض الرئيس السيسي، خلال اجتماعهما في 7 نوفمبر، اقتراحًا من مدير وكالة المخابرات المركزية ويليام بيرنز بأن تقوم القاهرة بإدارة الأمن مؤقتًا في قطاع غزة بعد الحرب حتى تصبح السلطة الفلسطينية مستعدة لتولي المسؤولية.
وقد يعكس هذا الموقف حسابات القاهرة التي مفادها أنه على الرغم من احتمال هزيمة الجناح العسكري لحماس، إلا أنه من غير الممكن استئصال إيديولوجيتها، وسوف يظل مقاتلو حماس يعملون هناك. فلا مصر ولا أي حكومة عربية أخرى لديها الرغبة في خوض حملة لمكافحة التمرد قد تنطوي على أعداد كبيرة من الضحايا، فضلًا عن سقوط ضحايا بين المدنيين الفلسطينيين.
ويشكك القادة المصريون وغيرهم من القادة العرب في إمكانية إصلاح السلطة الفلسطينية وإعادة تنشيطها إلى الحد الذي تصبح فيه استعادة حكمها مقبولة على نطاق واسع في غزة. ويكمن وراء الموقف المصري والعربي الأوسع توقع بأن المسؤولية عن أمن غزة بعد الحرب سوف تقع على عاتق القوات الأمريكية والأوروبية والشركاء الذين يعملون نيابة عن إسرائيل إذا رفضت الدول العربية المساعدة في تأمين القطاع.
وعلى الرغم من إصرار مصر الحالي على إبقاء مشاركتها في غزة محدودة، فإن حدود مصر مع القطاع ودورها التاريخي في غزة والشؤون الفلسطينية الأوسع ستدفع بلا شك المسؤولين الأمريكيين والعالميين إلى ممارسة ضغوط كبيرة على القاهرة للعب دور واسع النطاق في مرحلة ما بعد الحرب في غزة.
وفي سعيها لإنهاء عزلتها التي أعقبت معاهدة السلام مع إسرائيل عام 1979، دعمت مصر اتفاقيات أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في أوائل التسعينيات، والتي أدت إلى تشكيل السلطة الفلسطينية. دعمت مصر جميع معاهدات السلام العربية الإسرائيلية اللاحقة، بما في ذلك اتفاقيات إبراهام لعام 2020 التي شهدت تطبيع العلاقات بين الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب والسودان مع إسرائيل.
وفي كل صدام سابق بين إسرائيل وحماس، لعبت القاهرة دورًا فعالًا في التوسط في وقف إطلاق النار الذي أنهى كل تفجر للعنف. وفي أغلب الظن، ومن أجل الحفاظ على علاقاتها العالمية والإقليمية وتجنب تكرار القتال الذي دار بين إسرائيل وحماس في السابع من أكتوبر، فمن المرجح أن تذعن مصر في نهاية المطاف لدور أمني كبير في غزة - إذا لم يجري التوصل إلى بدائل ذات مصداقية.
ومع ذلك، فإن قادة مصر، في المقابل، سيحصلون على أكبر قدر ممكن من التنازلات من المسؤولين الأمريكيين، والدول الشريكة، ودول الخليج الغنية التي تفتقر إلى حد كبير إلى القدرة العسكرية للمساعدة في تأمين غزة بعد الحرب.