واشنطن بوست: حرب إسرائيل على غزة تثير مخاوف من نزوح الفلسطينيين إلى مصر
أثارت حرب إسرائيل في غزة وسلوكها المتمثل في التدمير وقتل المدنيين وتشريد السكان والتي يصفها البعض بالإبادة الجماعية المخاوف من تهجير قسري للسكان إلى سيناء رفضته مصر ودول عربية عدة، وهي مخاوف لا تخلو من مصداقية بالنظر إلى تاريخ الصراع الممتد منذ اكثر من 75 عامًا، وفق ما يخلص تحليل...
نشرت صحيفة واشنطن بوست تحليلًا للكاتب إيشان ثارور يستعرض المخاوف التي تثيرها الحرب في غزة من تهجير الفلسطينيين إلى مصر.
يلفت الكاتب في مستهل تحليله إلى أنه لم يعد هناك مكان آمن لسكان غزة يذهبون إليه، فقد نزحوا من الشمال إلى الجنوب ويلاحقهم القصف الإسرائيلي في كل القطاع حتى في الجنوب الذي يفترض أن يذهب إليه النازحون.
وقتلت إسرائيل أكثر من 18 ألف شخص في غزة منذ هجوم حماس غير المسبوق في 7 أكتوبر، وحتى وفقاً للتحليلات الإسرائيلية، فإن المدنيين، ومعظمهم من النساء والأطفال، قد يمثلون نحو ثلثي عدد القتلى الفلسطينيين.
أوضاع مأساوية
واستعرض الكاتب ظروف النازحين الصعبة داخل القطاع وافتقارهم الشديد لكل الاحتياجات الأساسية من ماء وطعام ودواء، موضحًا ان تحليلًا أجراه برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة خلص إلى أن نصف سكان غزة يعانون من الجوع وأن 9 من كل 10 أشخاص لا يستطيعون تناول الطعام كل يوم.
وأشار الكاتب إلى تحذيرات وكالات الإغاثة الأممية والدولية ومنظمة الصحة العالمية وغيرهم المنظمات من تردي الأوضاع الإنسانية في القطاع.
مخاوف النزوح
ونوَّه الكاتب إلى أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش حذر في منتدى إقليمي في الدوحة، قطر، من احتمال حدوث نزوح جماعي إلى مصر. وقال: «لا توجد حماية فعالة للمدنيين في غزة. وأتوقع أن ينهار النظام العام تمامًا قريبًا، وقد يتكشف وضع أسوأ».
لكن في نظر كثيرين في العالم العربي، فإن فكرة تدفق الفلسطينيين إلى سيناء هي فكرة غير مقبولة. وعلى مدار أسابيع، رفضت الحكومات العربية احتمال استقبال اللاجئين من غزة - جزئيًا لاعتبارات اقتصادية وأمنية، ولكن في المقام الأول بسبب الخوف من عدم السماح للفلسطينيين الذين فروا من غزة بالعودة إلى إلى غزة.
ونظرًا لتاريخ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الممتد منذ 75 عامًا، فإن مخاوفهم لا تخلو من المصداقية. ويقول عديد من سكان غزة الذين تحدثوا إلى الصحفيين إنهم يفضلون الموت في أرضهم بدلًا من المغادرة والعيش في المنفى إلى أجل غير مسمى، وهو المصير الذي حل بأجيال من الفلسطينيين في أماكن أخرى.
التهجير القسري
وأوضح الكاتب أن بعض المسؤولين العرب يتهمون الإسرائيليين بهندسة هذه النتيجة عن قصد. وقال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي خلال عطلة نهاية الأسبوع: «ما نراه في غزة ليس مجرد قتل الأبرياء وتدمير سبل عيشهم، بل هو جهد منهجي لتفريغ غزة من سكانها»، معتبرًا أن سلوك إسرائيل في حربها يدخل «ضمن التعريف القانوني للإبادة الجماعية».
وفي مقال افتتاحي بصحيفة لوس أنجلوس تايمز، قال فيليب لازاريني، رئيس وكالة الأمم المتحدة المسؤولة عن اللاجئين الفلسطينيين، إن «التطورات التي نشهدها تشير إلى محاولات لنقل الفلسطينيين إلى مصر، بغض النظر عما إذا كانوا يقيمون هناك أو يجري توطينهم في مكان آخر».
وينفي المسؤولون الإسرائيليون هذه الادعاءات. وقال متحدث باسم وزارة الدفاع الإسرائيلية للصحافيين: «لا توجد، ولم تكن، ولن تكون هناك خطة إسرائيلية لنقل سكان غزة إلى مصر».
ووفقًا للكاتب، فقد لا تكون هناك خطة حكومية ملموسة، ولكن هناك الكثير من الحديث عن تهجير الفلسطينيين. ويبدو أن وثيقة تسربت في أواخر أكتوبر من وزارة الاستخبارات الإسرائيلية تقترح النقل الدائم والقسري لسكان غزة إلى مصر.
ونشر مركز أبحاث إسرائيلي رائد ورقة بحثية تشجع الحكومة الإسرائيلية على استغلال «الفرصة الفريدة والنادرة لإخلاء قطاع غزة بأكمله». وقد دعا عدد من السياسيين الإسرائيليين اليمينيين وكبار المسؤولين السابقين علنًا إلى إبعاد المدنيين الفلسطينيين، وتدمير منازلهم، وإعادة توطين الإسرائيليين في غزة، أو مزيج من الثلاثة.
وإدراكًا لهذه الأفكار، أصدر المسؤولون المصريون تحذيراتهم الصارمة. وقال وزير الخارجية سامح شكري في اجتماع للجنة في واشنطن الأسبوع الماضي: «هذه ليست الطريقة للتعامل مع الصراع. لا ينبغي معاقبة المدنيين الفلسطينيين ويجب ألا يغادروا أراضيهم». وفي السر، أبلغت مصر إسرائيل والولايات المتحدة أن دخول موجة من اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيها سيؤدي إلى «قطيعة» في العلاقات مع إسرائيل، وفقًا لتقرير نشره موقع اكسيوس.
تعزيز موقف السيسي الانتخابي
وأضاف الكاتب أن تأييد مصر لمحنة غزة عزز الدعم للرئيس عبد الفتاح السيسي خلال الانتخابات الرئاسية التي تستمر ثلاثة أيام والتي بدأت يوم الأحد. ولم يعد انتصار الرجل القوي موضع شك، لكن الأزمة المجاورة ساعدت في تحويل مخاوف الناخبين بعيدًا عن الوضع الاقتصادي السيئ في البلاد ونحو المعاناة الفلسطينية.
يوم الاثنين، توجه وفد من عشرات السفراء في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى الجانب المصري من معبر رفح الحدودي في غزة من أجل فهم أفضل لعمق الكارثة الإنسانية التي تتكشف. وقال ممثل الإكوادور لدى الأمم المتحدة، خوسيه دي لا جاسكا، للصحفيين بعد حضور مؤتمر صحفي: «الحقيقة أسوأ مما يمكن أن تتحدث عنه الكلمات».
وجاءت زيارة المبعوثين بعد أن استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضد قرار لمجلس الأمن يوم الجمعة دعمه 13 من أعضاء المجلس الخمسة عشر، والذي يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار. وكثفت هذه الخطوة التدقيق في نهج إدارة بايدن تجاه الأزمة، والذي يتضمن حماية إسرائيل من الانتقاد الدولي ودعم جيشها بالسلاح بينما تتملق نظرائها الإسرائيليين للحد من الأضرار المدنية في حملتهم في غزة.
وقال الصفدي، وزير الخارجية الأردني، في المنتدى المنعقد في قطر: «هذه حرب لا يمكن الفوز بها. لقد خلقت إسرائيل قدرًا من الكراهية التي ستطارد هذه المنطقة، والتي ستحدد الأجيال القادمة».