فورين بوليسي: هل إسرائيل تكسب الحرب على الأنفاق في غزة ؟

خلاصة

أثبت عملية تدمير شبكة أنفاق حماس أنها بطيئة ومرهقة. والوقت هو أثمن مورد في هذا المسعى، إذ تعمل القوات الإسرائيلية في بيئة عسكرية معقدة تجمع بين حرب المدن وحرب الأنفاق وعمليات البحث والإنقاذ. ويتطلب تحديد موقع الأنفاق، والعمل حول الفخاخ المتفجرة، وتجنب الهجمات المفاجئة، أسلوبًا بطيئًا ومنهجيًا. وفي غزة، زعزعت...

نشرت مجلة فورين بوليسي مقالًا للكاتبة دافني ريتشموند - باراك، الأستاذة في كلية لودر للحكم والدبلوماسية والاستراتيجية بجامعة رايشمان في إسرائيل، تتناول فيه الشكوك بشأن إمكانية إسرائيل في كسب الحرب ضد حماس.

تلفت الكاتبة في مستهل مقالها إلى أن إسرائيل ومنذ بداية حملتها العسكرية كانت تستهدف تدمير بنية حماس العسكرية وفي صدارتها شبكة الأنفاق الواسعة والتي برهنت الحرب أنها أنها أكبر نقطة ضعف لإسرائيل في الحرب.

ومع بداية العام الجديد، يلوح في الأفق سؤال كبير الآن للمخططين العسكريين والمحللين الذين يسعون إلى استخلاص الدروس من هذه الحملة: ما مدى اقتراب إسرائيل من تدمير شبكة الأنفاق؟ وكم من الوقت سيستغرق الأمر حتى تنتصر قواتها على هذا التهديد؟

الأكثر فتكًا وتعقيدًا

وتقول الكاتبة إن حرب الأنفاق كانت دائمًا واحدة من أكثر أشكال القتال فتكًا وتعقيدًا. وخلال الحرب العالمية الأولى، مات عدة آلاف من القوات البريطانية وهم يحاولون تدمير المواقع الألمانية تحت الأرض. وبعد سنوات، كافحت الولايات المتحدة لهزيمة أعداءها في فيتنام وأفغانستان والعراق.

عادة ما تنشر الجيوش التي تواجه هذه التهديدات الجوفية أقوى أسلحتها، بما في ذلك طائرات بي - 52، وقاذفات اللهب، والأسلحة الحرارية، والقنابل الخارقة للتحصينات، وغيرها من الصواريخ الجوية الموجهة بدقة. وفي كثير من الأحيان، فشلت هذه التدابير في القضاء على الأهداف التي تعمل من الكهوف والأنفاق وغيرها من الهياكل الجوفية الاصطناعية أو الطبيعية.

وقد تعلمت إسرائيل ذلك بالطريقة الصعبة، إذ أن اكتشاف الأنفاق العابرة للحدود التي حفرتها حماس بين قطاع غزة وإسرائيل في عام 2014 أعاد إلى الأذهان المخاطر الأمنية الكبيرة التي تشكلها هذه الأنفاق، وخاصة عندما تقترب من السكان المدنيين.

كانت العملية العسكرية الإسرائيلية ضد حماس في ذلك العام هي الحرب الأولى في القرن الحادي والعشرين التي أصبحت فيها الأنفاق النقطة المحورية للعمليات العسكرية - وهو التطور الذي سيشكل فيما بعد الحرب الأهلية السورية. لقد جعلت إسرائيل تدرك تمامًا أنه يمكن استخدام الأنفاق لاختطاف جنود ومدنيين، والتسلل إلى الأراضي الإسرائيلية، وتنفيذ هجمات كبيرة. لكن التركيز الإسرائيلي على الأنفاق، إذا كان هناك تركيز منسق في ذلك الوقت، كان مخصصًا إلى حد كبير للأنفاق العابرة للحدود - وبدرجة أقل على الحشد العسكري المتزايد لحماس تحت الأرض داخل قطاع غزة.

بعد حرب عام 2014، تحولت إسرائيل إلى نهج أكثر استراتيجية وكثفت جهودها. فقد أنشأت وحدات النخبة المتخصصة في حرب الأنفاق، وبنت هياكل الأنفاق الخاصة بها لتدريب الجنود، وحسنت اكتشاف الأنفاق بوحدات متنقلة، وأجرت أبحاثًا وتطويرًا مستهدفًا، وتوصلت إلى حلول تكتيكية فريدة لتعزيز الاستعداد، وعززت التعاون مع الشركاء والحلفاء.

جيل جديد من الأنفاق

ونتيجة لذلك، ووفقًا للكاتبة، دخل الجيش الإسرائيلي إلى الحرب الحالية وهو يمتلك القدرات العسكرية الأكثر تقدمًا في اكتشاف الأنفاق ورسم خرائطها وتحييدها وتدميرها. ومع ذلك، فإن هذا لم يمنع حماس من الحفر ولم يقلل من التحدي المتمثل في القتال في بيئة تحت الأرض. وحتى الوحدات الأكثر تخصصًا في الجيش الإسرائيلي تكبدت خسائر بسبب مداخل الأنفاق المفخخة.

وقد كشفت هذه الوحدات أيضًا عن جيل جديد من أنفاق حماس. فقد عززت حماس الهياكل البدائية للمجموعة في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين بألواح خشبية. والشبكات الحالية أعمق وأكثر صلابة، وتشبه أنفاق التسلل الكبيرة في كوريا الشمالية. واستخدمت حماس تقنيات الحفر المدنية المتقدمة لحفرها، مع الارتقاء بقدراتها الجوفية إلى المستوى الأعلى.

وترى الكاتبة أن اعتماد حماس المتزايد على الأنفاق وجهود البناء المتقنة التي تبذلها قد أتى أُكله. ولم يسبق في تاريخ حرب الأنفاق أن تمكن أي مدافع من قضاء أشهر في مثل هذه الأماكن الضيقة. وقد كانت عملية الحفر نفسها، والطرق المبتكرة التي استخدمت بها حماس الأنفاق، وبقاء الجماعة تحت الأرض لفترة طويلة، أمورًا غير مسبوقة.

وفيما يخص الجنود الإسرائيليين، فإن التقدم في هذه التضاريس الخطرة يتطلب اتباع نهج منهجي. وسعت الحملة الجوية للجيش الإسرائيلي والعملية البرية المبكرة إلى السيطرة على الأرض وتقليل المخاطر التي تشكلها حرب المدن على المقاتلين والمدنيين. ودمر الجيش المباني للحد من هجمات القناصة والكمائن، وجرى إخلاء شمال غزة إلى حد كبير للحد من الخسائر في صفوف المدنيين. وشرعت القوات في تطهير الأرض بالجرافات المدرعة لكشف فتحات الأنفاق.

هذه الفتحات، المعروفة باسم حُفر الأنفاق، هي في الأساس ثقوب مميتة في الأرض. ويمكن أن تختلف في الحجم والشكل وعادة ما تكون مموهة ومفخخة. وهي تؤدي إلى ممرات الأنفاق، وهو الجزء من الهيكل الجوفي المستخدم للاختراق العميق في الأرض والوصول إلى شبكة الأنفاق الأوسع.

وأثناء عملية الاجتياح، اكتشف الجنود الإسرائيليون مئات من حفر الأنفاق، مما جعل التقدم بطيئًا ومعقدًا. ومكنت هذه الحفر مقاتلي حماس من الخروج من الأرض، وإطلاق النار أو قاذفات الصواريخ على القوات، والاختفاء في غضون ثوان. وقام الجيش الإسرائيلي بإغلاق أو تدمير الكثير من هذه الفتحات كإجراء مؤقت، حتى تتمكن القوات من مواصلة تقدمها وتأمين الأرض.

وكانت الخطوة التالية هي رسم خريطة لشبكة الأنفاق ومعرفة المزيد عنها. وبقي الجنود على السطح حتى يتمكنوا من دخول الأنفاق بأمان لجمع المعلومات الاستخبارية والبحث عن الرهائن.

أرسلت القوات أولًا روبوتات وطائرات مسيرة مزودة بكاميرات فيديو إلى الأنفاق، وكلابًا يمكنها اكتشاف وجود متفجرات أو أشخاص. وقد ساعدت هذه الإجراءات وغيرها في الكشف عن حجم الشبكة ونطاقها، وسمحت بدخول الجنود إلى الأنفاق، قبل الانتقال إلى مرحلة التدمير. ويعني تخطي أي من هذه الخطوات المخاطرة بقتل جنود الجيش الإسرائيلي، والرهائن الإسرائيليين، والمدنيين الفلسطينيين.

نصر غير مؤكد

وتؤكد الكاتبة أن الوقت هو أثمن مورد في هذا المسعى، إذ تعمل القوات في بيئة عسكرية معقدة تجمع بين حرب المدن وحرب الأنفاق وعمليات البحث والإنقاذ. ويتطلب تحديد موقع بقية الأنفاق، والعمل حول الفخاخ المتفجرة، وتجنب الهجمات المفاجئة، أسلوبًا بطيئًا ومنهجيًا. وفي غزة، كما في حروب تحت الأرض السابقة، زعزعت الأنفاق القوات، وتسببت في خسائر كبيرة، وأخرت نهاية الحرب، وجعلت النصر أقل يقينا.

لقد أصبح من الواضح بالفعل أن إسرائيل غير قادرة على اكتشاف أو رسم خريطة لشبكة أنفاق حماس بالكامل. ولكي تعلن إسرائيل النصر بشكل مقنع، فلابد وأن تقوم بتدمير ما لا يقل عن ثلثي البنية التحتية المعروفة تحت الأرض التابعة لحماس.

وللوصول إلى هذا الهدف، أفادت التقارير أن إسرائيل قررت ضخ كميات كبيرة من مياه البحر إلى الأنفاق. لقد ولدت حرب الأنفاق تقليديا ابتكارًا عسكريًا، وهذه الحرب ليست استثناء. وعلى المستوى الاستراتيجي، فإن غمر مياه البحر هو محاولة من الجيش الإسرائيلي للحصول على بعض الميزة العسكرية في التضاريس التي استغلتها حماس، دون رادع، لعقود من الزمن.

وعلى المستوى العملياتي، يمكن أن يُمثل غمر الأنفاق بالمياه توسعًا في الترسانة المضادة للأنفاق، والتي كانت تتكون حتى الآن بشكل شبه حصري من القنابل الخارقة للتحصينات. وتتميز هذه القنابل بقدرة محدودة على اختراق الأرض ولا يمكن استخدامها في كافة التضاريس.

واستعرضت الكاتبة الطريقة التي يمكن بها استخدام نهج غمر المياه بطريقة صحيحة، وذلك من خلال ضرورة أن تتضمن ثلاثة عناصر - الحجم الكبير للمياه، والضغط العالي، والحقن الأفقي المباشر – والتي يمكن أن تؤدي إلى التدمير الكامل لبنية النفق.

وتُقلل الكاتب من مخاوف أن يؤدي هذا التهج إلى تلويث المياه الجوفية المصدر الوحيد للمياه العذبة للفلسطينيين، زاعمة أن مخاطر التلوث التي هي قائمة بالفعل أقل ضررًا من مخاطر استخدام الطرق الأخرى مثل القصف على حياة المدنيين والبيئة الحضرية.

وفي حين تتحرك إسرائيل لتدمير شبكة الأنفاق الواسعة، تظل القوات تحت إطلاق النار، وتُكتشف أنفاق إضافية كل يوم. وقد يستغرق إكمال هذه المهمة بضعة أشهر أخرى. وفي حرب الأنفاق التي تتطلب القدرة على التحمل والوقت والمثابرة، فإن إنهاء الحرب قبل الأوان قد يعني الهزيمة. ولتجنب مثل هذه النتيجة، فإن قدرة إسرائيل على تحديد جدولها الزمني أمر أساسي.

الموضوع التالي أسوشيتد برس: نجل مراسل مخضرم هو خامس فرد من عائلته يقتل في قصف إسرائيلي على غزة
الموضوع السابقوول ستريت جورنال: إسرائيل ومصر تتفاوضان بشأن ممر رئيس على طول حدود غزة