ميدل إيست مونيتور: جنون الدولار يجتاح مصر

خلاصة

تشهد الأسواق المصرية حالة من ارتفاع الأسعار الجنونية والتي تعزى إلى عوامل عدة من أبرزها ارتفاع سعر الدولار وحالة عدم اليقين وعدم مصداقية السياسات الاقتصادية للبلاد. ومن الأسباب الأخرى تأخر الحصول على قرض صندوق النقد الدولي وعدم اليقين بشأن الموعد المتوقع لتعويم الجنيه وتشكيل الحكومة الجديدة.

نشر موقع ميدل إيست مونيتور تقريرًا أعدَّه محمود حسن يستعرض ما وصفه التقرير بجنون الدولار الذي يجتاح مصر وسط حالة من عدم اليقين التي تضرب الشارع المصري بسبب الأزمة الاقتصادية الطاحنة.

يلفت الكاتب في مستهل تقريره إلى أن السؤال الأكثر طرحًا في الشوارع المصرية أصبح يتمحور حول سعر صرف الدولار. ويُصاحب ذلك تغيرات جذرية في أسعار السلع، وندرة العملة الأجنبية، وموجة جنونية من الارتفاع القياسي للأسعار. وفي هذه الأثناء، يترقب الجميع قرار تحرير سعر صرف العملة المحلية.

وسجل سعر صرف الدولار أكثر من 70 جنيها في السوق السوداء خلال الأيام الماضية، مقابل 31 جنيها في البنوك الرسمية، بفارق 130 في المائة بين السعرين. وانخفض سعر الصرف في السوق السوداء، الأحد، إلى أقل من 60 جنيها لسد الفجوة إلى 100 في المائة، لكن السوق لا يزال يتسم بالارتباك والفوضى.

أزمة صعبة

وأوضح الكاتب أن ما يزيد الوضع سوءًا هو شح العملة الأجنبية وعدم قدرة الحكومة على توفير الدولار. ومن العوامل الأخرى أيضًا ميل التجار إلى المضاربة على أسعار الدولار والذهب والعقارات، وتوجه بعض موردي المواد الغذائية إلى تخزين السلع الأساسية لتحقيق المزيد من الأرباح، وقيام بعض الناس بتخزين السلع الأساسية خوفًا من ارتفاع الأسعار أو انخفاض المعروض.

وبحسب مصدر مصرفي تحدث لموقع ميدل إيست مونيتور، فإن الدولار يصرف بأكثر من سعر، بحسب المبلغ. ووصل الأسبوع الماضي إلى 74 جنيها، وهو أكثر من ضعف قيمته في السوق الرسمية (30.9 جنيها).

وأضاف المصدر أن السعر قد ينخفض إلى أقل من 60 جنيها لبضعة أيام أو أسابيع، لكنه سيرتفع مرة أخرى بسبب حالة عدم اليقين وعدم مصداقية السياسات الاقتصادية للبلاد. ومن الأسباب الأخرى تأخر الحصول على قرض صندوق النقد الدولي وعدم اليقين بشأن الموعد المتوقع لتعويم الجنيه وتشكيل الحكومة الجديدة.

ويقود المضاربات في السوق السوداء رجال الأعمال والمستوردون والتجار والعاملون في القطاع المصرفي وشركات الصرافة، بالإضافة إلى المصريين في الخارج، الذين يبحثون عن أكبر المكاسب الممكنة من خلال تجنب تحويل أموالهم عبر القنوات الرسمية. وهم يفعلون ذلك خوفًا من القيود المصرفية والاستفادة من الفارق الكبير في الأسعار في السوق السوداء.

وتقوم الحكومة المصرية نفسها بشراء الدولار من الأسواق، خاصة مع تراجع المصادر الرئيسة للعملة الأجنبية، مثل قناة السويس والسياحة وتحويلات المصريين العاملين في الخارج. وفي غضون ذلك، تحتاج الحكومة إلى سداد 25 في المائة من ديونها الخارجية (نحو 42 مليار دولار من إجمالي 165 مليار دولار)، خلال العام الجاري.

وقال أحد المتعاملين مع أحد البنوك الحكومية لموقع ميدل إيست مونيتور إنه واجه تعقيدات وصعوبة كبيرة عندما حاول سحب مبلغ مالي بالدولار، قام شقيقه بتحويله إليه من الخارج. وحاول مسؤولو البنك الضغط عليه لسحب الأموال بالعملة المحلية.

وكانت تجربة مختلفة عندما حاول التعامل مع شركة صرافة معتمدة من البنك المركزي المصري. ذهب لتحويل بعض الأوراق النقدية بالدولار إلى جنيهات مصرية، لكن طُلب منه تقديم جميع معلوماته بما في ذلك أرقام هاتفه وهويته والتوقيع على ورقة توضح من أين حصل على الأموال وكم كانت وكيف حصل عليها.

وأضاف: «شعرتُ بالقلق والخوف من سبب طلبهم كل هذه المعلومات مع أنني لم أذهب إلى السوق السوداء. سألتهم لماذا يجمعون هذه التفاصيل، فقالوا لي إنها تعليمات البنك المركزي».

وأخبرنا أيضًا أنه لهذا السبب لن يذهب إلى أي بنك أو شركة صرافة مرة أخرى. ومثل هذا الإجراء مخيف ويفقد الناس إحساسهم بالأمان، ويمكن أن يجعل المستثمرين يشعرون بالقلق والخوف من إمكانية الاستيلاء على مدخراتهم الدولارية.

حدود عمليات السحب

ووفقًا للكاتب، فقد اتضحت الأزمة أكثر عندما اكتشف الناس أن هناك حدودًا لمقدار الأموال التي يمكنهم سحبها من البنوك وأجهزة الصراف الآلي، سواء بالدولار أو بالجنيه، وهو الأمر الذي خلق حالة من الخوف، ليس فقط بين المستثمرين، بل أيضًا بين الناس العاديين الذين لم يعد بإمكانهم سحب رواتبهم أو أجزاء من مدخراتهم دفعة واحدة، بل يجب عليهم القيام بذلك بالتقسيط على عدة أيام.

وعلق الملياردير ورجل الأعمال المصري، نجيب ساويرس، ساخرًا على الضوابط الجديدة للبنك المركزي. ونشر على صفحته الرسمية على موقع إكس قائلًا إن رفض البنك المركزي منح استثناءات للعملاء، سواء أفرادًا أو شركات، الراغبين في سحب أكثر من الحد النقدي اليومي البالغ 150 ألف جنيه، سوف يدفع الجميع إلى الاحتفاظ بأموالهم في منازلهم.

وخلال جولة على عديد من ماكينات الصراف الآلي بوسط القاهرة، رأينا أن الحد الأقصى للسحب في وقت واحد انخفض من 8000 جنيه (260 دولارًا) إلى 4000 جنيه فقط (130 دولارًا)، في ماكينات الصراف الآلي التابعة لبنوك عملاقة، مثل البنك الأهلي وبنك مصر (تابعة للحكومة)، ولا يمكن للأشخاص إجراء أكثر من معاملة واحدة في اليوم.

وحددت البنوك العاملة في مصر استخدام أجهزة الصراف الآلي في نطاق يتراوح بين 50 و300 دولار يوميا عندما يتعلق الأمر بالمعاملات بالعملة الأجنبية. ويعود ذلك إلى عجز الأصول الأجنبية لدى القطاع المصرفي المصري، والذي وصل إلى 27.2 مليار دولار بنهاية ديسمبر من العام الماضي وفقا لبيانات البنك المركزي المصري.

وفي الشهر الماضي، فرضت خمسة بنوك مصرية قيودًا جديدة على السحب النقدي والإنفاق في الخارج، بما في ذلك بنك البركة والبنك المصري الخليجي. وأوقفوا تماما عمليات السحب النقدي من الخارج، فيما خفض البنك التجاري الدولي ومصرف أبو ظبي الإسلامي وبنك أبو ظبي الأول مصر الحد اليومي إلى 50 دولارًا، بحسب بلومبرج.

الأسعار ترتفع إلى مستويات قياسية

ونتيجة لجنون الدولار، تتواصل الارتفاعات القياسية في أسعار الذهب والحديد والأجهزة الكهربائية وغيرها من السلع. وهي تتغير كل يوم، أو بالأحرى، كل ساعة، إلى درجة أنه من الممكن إيقاف المبيعات لحين إجراء مكالمة هاتفية مع الوكلاء أو الموردين المعتمدين لمعرفة السعر الجديد للسلعة.

ويمكن لعينة من الأسعار أن تساعد في توضيح مدى ارتفاع الأسعار في السوق المصرية، بدءا من سعر الذهب عيار 21 قيراط الأكثر رواجًا في مصر، والذي تجاوز 4000 جنيه (حوالي 130 دولارا) للجرام. ثم الحديد بسعر 63 ألف جنيه (نحو ألفي دولار) للطن. وسعر المكيف 35 ألف جنيه (حوالي 1132 دولارًا)، والثلاجة 30 ألف جنيه (حوالي 1000 دولار)، والغسالة 25 ألف جنيه (حوالي 800 دولار)، وكيلو اللحم البقري 420 جنيهًا (13.5 دولارًا)، وكيلو الدجاج 110 جنيهات. (3.5 دولار)، وكيلو العدس 80 جنيهًا (2.5 دولار)، وكيلو الفول 60 جنيهًا (حوالي 2.50 دولار)، ولتر الحليب 50 جنيهًا (1.6 دولار).

ويغلق بعض أصحاب المتاجر محلاتهم مؤقتًا تحسبًا لارتفاع الأسعار، أو يبيعون البضائع بزيادة نسبية تحوطًا من أي ارتفاع في سعر الدولار، فيما تبيع بعض الشركات بضائعها بالدولار، مما غذى السوق السوداء. .

وينقل الموقع عن محمد سعيد، صاحب محل لبيع الأجهزة الكهربائية، قوله إن شركات مثل توشيبا وكريازي وفريش أوقفت المبيعات منذ 3 أسابيع ولم تقم بتوريد أي أجهزة كهربائية تحسبًا لقرار التعويم، وحتى استقرار الأسعار. وأدى ذلك إلى ارتفاع الأسعار بنسبة 25 إلى 40 في المائة في المتوسط.

الإصلاح السياسي والاقتصادي

ويشير الكاتب إلى أنه وفي حين يهلل الإعلام الحكومي بقرب حل أزمة الدولار، يتوقع الباحث الاقتصادي عمر سراج استمرارها. ويقول إن أزمة مصر ليست اقتصادية فقط ولن تحل بالتعويم أو سداد الديون أو بالحصول على قرض صندوق النقد الدولي الذي قد يصل إلى 10 مليارات دولار أو حزمة تمويلات أوروبية واستثمارات إماراتية. بل الأزمة سياسية بالدرجة الأولى، بسبب توسيع صلاحيات رئيس الجمهورية، واحتكار الجيش للنشاط الاقتصادي، وغياب دور البرلمان، وقمع وسائل الإعلام. ودعا إلى إصلاح سياسي عاجل، يليه إصلاح اقتصادي يشمل رفع معدلات الإنتاج وخفض نفقات الاستيراد وزيادة الصادرات وإيقاف المشاريع غير المجدية.

وتجرب الحكومات المصرية المتعاقبة حل التعويم، منذ الستينيات وحتى الربع الأول من عام 2023، ولم تنجح في حل مشكلة سعر الصرف، بحسب الخبير الاقتصادي ممدوح الوالي، الذي يرى أن المشكلة الأساسية في سعر الصرف تتمثل في أن الاقتصاد المصري يعاني من عدم كفاية الموارد الدولارية التي لا تستطيع تغطية الحاجة إلى العملات الأجنبية، وهو ما يعبر عنه الميزان التجاري السلعي لمصر مع دول العالم. وهذا الميزان يعاني من العجز منذ السبعينيات، مما يحتم ضرورة سد تلك الفجوة من خلال زيادة الإنتاج في المجالين الزراعي والصناعي، وتحقيق الاكتفاء الذاتي ومن ثم تحقيق فوائض يمكن تصديرها.

الموضوع التالي جيوبوليتكال فيوتشر: الحرب بين "إسرائيل" وحماس تؤكد تردد مصر
الموضوع السابقميدل إيست بيزنس انتيلجانس: مصر تقترب من اتفاقية قرض جديد مع صندوق النقد الدولي