جيروزاليم بوست: مصر بحاجة إلى النظر إلى اقتصادها في توقعاتها لحرب غزة
تأثير حرب غزة على الاقتصاد المصري ليس مخفيًا؛ إذ تعاني مصر من تداعيات أكبر من أي دولة عربية أخرى. ولذلك، فمن الأهمية بمكان لإسرائيل أن تدرك أن عملية صنع القرار في مصر فيما يتعلق بالصراع في غزة لا تتأثر بالاعتبارات العسكرية والسياسية فحسب، بل وأيضًا بالظروف الاقتصادية السائدة.
نشرت صحيفة جيروزاليم بوست مقالًا للكاتب إيلي بوده يتناول تداعيات الحرب في غزة على الاقتصاد المصري الذي يعاني من أزمات عدة.
وقال الكاتب إن الحرب بين إسرائيل وحماس تتسبب في أضرار جسيمة للاقتصاد المصري، وأكثر القطاعات تأثرًا هي قناة السويس والسياحة. وأدت الهجمات التي نفذها الحوثيون في اليمن على السفن في البحر الأحمر ومضيق باب المندب إلى تراجع كبير في حركة الشحن عبر القناة. ونتيجة لذلك، تختار عديد من شركات الشحن المسار الأطول حول أفريقيا ورأس الرجاء الصالح بدلًا من المسار الأقصر عبر قناة السويس.
وفي السنة المالية المنتهية في يونيو 2023، حققت مصر 8.776 مليار دولار من قناة السويس. ومع ذلك، منذ بداية عام 2024، شهدت إيرادات رسوم العبور، التي تدفعها السفن المارة في القناة، انخفاضًا حادًا بنسبة 40% إلى 50%. وتؤدي هجمات الحوثيين المستمرة إلى تثبيط عديد من شركات الشحن عن استخدام قناة السويس.
ويشير الكاتب إلى أن الانخفاض في دخل السياحة المصرية ملحوظ في ظل الصراع الحالي. ومن الصعب أن نتخيل قضاء إجازة في سيناء بينما تحلق الصواريخ والطائرات في سماء إسرائيل. وفي السنة المالية 2022-2023، ساهمت السياحة بمبلغ قياسي قدره 13.63 مليار دولار في إيرادات مصر. وفي الوقت الحاضر، من الصعب إجراء تقييم كامل لمدى الضرر الذي لحق بالسياحة المصرية بسبب الصراع المستمر، لكن التقارير تشير إلى انخفاض كبير ومثير للقلق. ومن المرجح أن يستمر هذا الوضع غير المواتي طالما استمرت الحرب.
تدعم صناعة السياحة في سيناء مئات الآلاف من المصريين، وهذه الأزمة الجديدة، التي تأتي في أعقاب جائحة فيروس كورونا، تشكل خطر التسبب في أضرار لا يمكن إصلاحها.
وأدت التأثيرات على قناة السويس وقطاع السياحة إلى انخفاض إيرادات العملات الأجنبية، مما أدى إلى تأثير كبير على سعر صرف الجنيه المصري. وتبلغ قيمته حاليا 31 جنيها للدولار الأمريكي، ومن المتوقع أن يصل إلى ما يقرب من 40 جنيها للدولار بنهاية العام.
ارتفاع معدلات التضخم
وأضاف الكاتب أن ارتفاع معدل التضخم يؤدي إلى تفاقم تكاليف المعيشة. ومن المؤسف أن الحكومة المصرية غير قادرة على تعويض هذا الارتفاع من خلال دعم السلع الأساسية، مما يؤدي إلى مزيد من التدهور في مستوى معيشة المواطنين المصريين، والذي بدأ بالفعل في الانخفاض في السنوات الأخيرة.
ونوَّه الكاتب إلى أن تأثر مصدر كبير آخر لدخل العملة الأجنبية في مصر وهو التحويلات المالية من ملايين العمال المغتربين. وفي النصف الأول من عام 2023، شهدت هذه التحويلات انخفاضًا كبيرًا بنسبة 23%، إذ انخفضت من 15.6 مليار دولار إلى 12 مليار دولار. والسبب الرئيس لهذا الانخفاض هو توقع انخفاض قيمة الجنيه المصري، ذلك أن سعر صرف الدولار الرسمي يتخلف بشكل كبير عن سعر السوق السوداء.
وتؤدي الأزمة المستمرة الناجمة عن الحرب في غزة إلى تفاقم التحديات التي تواجهها مصر في أعقاب أزمتين عالميتين كبيرتين: جائحة كوفيد-19 والغزو الروسي لأوكرانيا. ومما يزيد من هذه المخاوف وضع مصر بوصفها أكبر مستورد للحبوب في العالم، إذ يأتي 80% من وارداتها من أوكرانيا وروسيا.
وقد أدى هذا الاعتماد الكبير إلى ارتفاع كبير في الأسعار والتضخم. وفي يونيو 2023، بلغ التضخم السنوي ذروته عند 36.8%، رافقه زيادة بنسبة 65% في أسعار المواد الغذائية والمشروبات. ولأن ما يقرب من ثلث السكان البالغ عددهم 110 مليون نسمة يعيشون تحت خط الفقر الذي حددته الأمم المتحدة والذي يبلغ 2.15 دولار يوميا، فمن المرجح أن تؤدي هذه الارتفاعات الكبيرة في الأسعار إلى عواقب سياسية واجتماعية بعيدة المدى. ومن المهم أن نتذكر أن ثورة يناير 2011 كانت ناجمة إلى حد كبير عن الأزمة المالية العالمية عام 2008 وما تلاها من ارتفاع في الأسعار.
ومن المتوقع أن تساهم الظروف الاقتصادية السيئة في زيادة البطالة. ومن المرجح أن يؤدي التراجع الواضح في الأنشطة السياحية في سيناء وفي جميع أنحاء مصر، إلى جانب الانخفاض المستمر في قيمة الجنيه المصري مما يؤدي إلى ارتفاع التضخم، إلى ارتفاع معدلات البطالة. ومن الجدير بالذكر أن ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب كان أحد العوامل الأساسية وراء اندلاع احتجاجات الربيع العربي في عام 2011.
ومن المتوقع أن تؤدي الظروف الاقتصادية الصعبة إلى ارتفاع معدلات البطالة. ومن المرجح أن يؤدي الانخفاض الكبير في السياحة في سيناء وفي جميع أنحاء مصر، إلى جانب الانخفاض المستمر في قيمة الجنيه المصري الذي حفز ارتفاع التضخم، إلى ارتفاع معدلات البطالة. ومن الجدير بالذكر أن ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب لعب أيضًا دورًا أساسيًا في إشعال احتجاجات الربيع العربي في عام 2011.
اكتسبت العلاقات الإسرائيلية المصرية الاهتمام وسط تقارير عن توتر بين القيادتين، إلى جانب التوترات والخلافات بشأن حكم غزة بعد الحرب. وقد أدت قضايا مثل رغبة إسرائيل في استعادة السيطرة على ممر فيلادلفيا ومعبر رفح، إلى جانب المخاوف المصرية بشأن احتمال تهجير إسرائيل للفلسطينيين من غزة، إلى زيادة تعقيد الوضع.
ومع ذلك، فإن هجمات الحوثيين من اليمن تمثل تحديًا خطيرًا بالقدر نفسه يهدد الاقتصاد المصري بشكل مباشر.
ومن الناحية الاقتصادية، تعاني مصر من تداعيات أكبر من أي دولة عربية أخرى، بما في ذلك الأردن. ولذلك، فمن الأهمية بمكان لإسرائيل أن تدرك أن عملية صنع القرار في مصر فيما يتعلق بالصراع في غزة لا تتأثر بالاعتبارات العسكرية والسياسية فحسب، بل وأيضاً بالظروف الاقتصادية السائدة.