ناشيونال انترست: أزمة مصر التي تلوح في الأفق
قد تعني معضلات السياسة الخارجية في غزة وإثيوبيا جنبًا إلى جنب مع الأزمة المالية الحادة عدم الاستقرار في الدولة العربية الأكثر اكتظاظًا بالسكان، وفق ما يخلص تقرير نشرته مجلة ذا ناشيونال انترست.
نشرت مجلة ناشيونال انترست تقريرًا للباحثين راسل بيرمان ومحمد محسن تناولا الأزمات التي تعانيها مصر والتداعيات المحتملة لتلك الأزمات.
ويلفت الكاتبان في مستهل التقرير إلى أن الاستقرار في الشرق الأوسط أمر حيوي للمصالح الأمريكية. وتظل المنطقة مصدرًا حاسمًا للطاقة وتقع على مفترق طرق التجارة العالمية. كما أنها تعمل كحاضنة للحركات الإرهابية التي تمكنت من الوصول إلى الغرب والولايات المتحدة.
وفي هذا المجال، تعد مصر، التي يبلغ عدد سكانها 109 ملايين نسمة، محور الاستقرار. وتساعد العلاقة الأمنية بين مصر وإسرائيل والولايات المتحدة في الحد من التهديدات الإسلامية المتطرفة الخطيرة داخل المنطقة، تمامًا كما أعاقت التوسع الإيراني داخل الشرق الأوسط، وفقًا للمجلة.
تحديات أمام الاستقرار المصري
لذلك، وحسب ما تضيف المجلة، من المهم للسياسة الخارجية الأمريكية أن تعترف بالتحديات التي تواجه الاستقرار المصري. والأهم من ذلك، أن مصر قد سلطت عليها الأضواء العالمية في الأشهر القليلة الماضية بسبب الحرب المستمرة في غزة. بينما تمضي إسرائيل في حملتها ضد حماس، يمكن اعتبار التطورات على طول حدود سيناء بالقرب من رفح انتهاكات للسيادة المصرية مع عواقب سياسية في القاهرة.
في غضون ذلك، يختمر صراع آخر في الجنوب. في الوقت الذي تواجه فيه مصر ندرة متزايدة في المياه بسبب سد النهضة الإثيوبي، وتتزايد التوترات مع إثيوبيا بعد أن وصلت المفاوضات إلى «طريق مسدود» في ديسمبر. ومما يزيد من تعقيد هذا الصراع اعتراف إثيوبيا مؤخرًا بأرض الصومال، وهي منطقة تتمتع بالحكم الذاتي لا تعترف بها الحكومة الصومالية.
واستضاف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مؤتمرًا صحفيًا مع رئيس الصومال حيث هدد صراحة بدعم سيادة الصومال بمساعدة عسكرية. وامتد هذا الصراع إلى الكونجرس الأمريكي بعد أن تعهدت النائبة إلهان عمر (ديمقراطية من مينيسوتا) بدعم مطالبة الحكومة الصومالية.
بالإضافة إلى هذه الصراعات الدولية المحتملة في غزة وإثيوبيا، يقترب تهديد أكثر خطورة للاستقرار المصري على الجبهة الاقتصادية. فقد كان لهجمات الحوثيين على التجارة البحرية الدولية التي تمر عبر مضيق باب المندب تأثير كبير على سلاسل التوريد العالمية.
وكان هناك انخفاض بنسبة 30 في المئة في حجم سفن الحاويات العالمية التي تمر عبر السويس، وفقًا لصندوق النقد الدولي، وعلقت شركات الشحن الكبرى مثل ميرسك طرقها عبر القناة إلى أجل غير مسمى. وعلى الرغم من وضوح تأثير الحوثيين على التجارة العالمية، إلا أن الألم يزداد حدة على عائدات القناة المصرية.
أزمة اقتصادية حادة
وأوضحت المجلة أن الدين الخارجي لمصر يبلغ حوالي 164.5 مليار دولار. ويعني العجز التجاري للبلاد أن مصر تعاني من شح في الدولار، بحيث لم تعد الحكومة قادرة على الحفاظ على ربط الجنيه المصري عند 31 جنيهًا مصريًا لكل دولار (سعر الصرف الحكومي الرسمي). وتقدر قيمة السوق الموازية الآن الدولار الواحد بحوالي 60 جنيهًا مصريًا، وهو مستوى لم يكن المصريون يتخيلونه ذات يوم.
ويضر تحويل حركة المرور من قناة السويس إلى طرق بحرية أخرى بأحد أكبر مصادر الدخل بالدولار في مصر. ويعد انقطاع تدفق إيرادات قناة السويس أمرًا كبيرًا ويهدد ما يقرب من أربعين بالمائة من إيرادات القناة.
ومع ذلك، فإن الأزمة الاقتصادية الحالية في مصر - وإن كانت كبيرة – تُخفي في طياتها أزمة مالية أوسع تلوح في الأفق للبلاد. أنفقت مصر كميات هائلة من الاقتراض العام على مدى العقد الماضي على المشاريع الممولة من الدولة في المقام الأول من خلال طباعة البنك المركزي للعملة، مع استخدام غالبية القروض المكتتبة في مصر لتمويل المشاريع الضخمة مثل العاصمة الإدارية الجديدة والقطار الكهربائي الجديد الطموح.
وعلى الرغم من الإشادة بتلك المشاريع باعتبار أنها تعزز الاستثمار الأجنبي المباشر في البلاد، إلا أن مبادرات البنية التحتية هذه فشلت في جذب شهية المستثمرين من المجتمع الدولي. وبدلًا من إلغائها، قررت الحكومة ببساطة تمويل هذه المشاريع بنفسها.
الآن، حان وقت سداد الفاتورة، ومصر بحاجة ماسة إلى إعادة هيكلة التزاماتها من أجل تجنب التخلف عن السداد. وفي تحديث توقعاتهم الإقليمية بشأن الشرق الأوسط، جادل مدير صندوق النقد الدولي للشرق الأوسط بأن «السياسات الكلية التقييدية تظل ضرورية لخفض الديون المرتفعة والتضخم في بعض البلدان».
وبحسب ما ورد، فإن هذا التحديث، الذي صدر في 31 يناير، يسبق صفقة جديدة لصندوق النقد الدولي قيد التفاوض لتقديم المزيد من القروض إلى مصر. وستتطلب تلك الصفقة انخفاضًا عاجلًا في قيمة الجنيه المصري. وهذا، إلى جانب إجراءات التقشف المستمرة للحكومة، قد يغرق المستهلك المصري المنهك بالفعل في براثن فقر أكبر.
تهديد الاستقرار المحلي
ويرى الكاتبان أن أي زعزعة اقتصادية محتملة يمكن أن تؤدي إلى تهديد الاستقرار المحلي، مما يتيح فرصة للجهات الفاعلة الراديكالية للعودة إلى الصدارة. وقامت حكومة السيسي بقمع البنية التحتية لجماعة الإخوان المسلمين على نطاق واسع في أعقاب الإطاحة العسكرية بالرئيس السابق محمد مرسي في عام 2013. ومع ذلك، سيكون من الحماقة التقليل من شأن العودة المحتملة للأحزاب المتطرفة في سياق التدهور الاقتصادي الحاد.
ويضيف الباحثان أن غزة وإثيوبيا وخفض وشيك لقيمة العملة تُعد جميعها عوامل تخلق عاصفة كاملة لمصر في عام 2024، الأمر الذي يمثل فرصة وأزمة محتملة للسياسة الخارجية للولايات المتحدة؛ ذلك أن الاقتراب من مصر الآن، بمساعدة اقتصادية وعسكرية، يمكن أن يؤدي إلى تأثير أمريكي أكثر فاعلية على السياسات المصرية وربما يوفر توازنًا للوجود الروسي المتزايد في أماكن أخرى في شمال أفريقيا ومنطقة الساحل.
ومن ناحية أخرى، يمكن أن يمثل عدم استقرار مصر مشكلة كبيرة للعالم الغربي. وقد تعني الأزمة في الدولة الأكثر اكتظاظًا بالسكان في الشرق الأوسط موجة من اللاجئين لأسباب اقتصادية من شأنها أن تقزم أي شيء شوهد حتى الآن في الوقت الذي تعمل فيه المشاعر المناهضة للهجرة في أوروبا على تقويض الأحزاب السياسية ذات التوجهات الأطلسية.
لقد أصبحت مصالح الولايات المتحدة في استقرار أوروبا والشرق الأوسط متشابكة. ومن المفيد لواشنطن أن تتحرك بسرعة وتعرب عن دعمها لمصر من أجل منع الفوضى، وهو ما لن يفيد إلا خصوم أمريكا، سواء إيران، أو روسيا، أو الصين، أو المتطرفين الإسلاميين، بحسب ما يختم التقرير.