الجارديان: غارقة في الديون... مصر اليائسة تبيع الفنادق التاريخية
في خضم التقشف الشديد وارتفاع التضخم، تقوم حكومة السيسي ببيع أصول الدولة ذات القيمة العالية بثمن بخس - بعضها لقاتل مدان بأموال إماراتية، وفق ما يخلص تقرير نشرته صحيفة الجارديان.
نشرت صحيفة الجارديان تقريرًا أعدَّته روث مايكلسون تُسلط فيه الضوء على بيع مصر لأصولها التاريخية وسط أزمة اقتصادية حادة تواجهها مصر.
تبدأ الصحيفة تقرير بمشهد من فندق ماريوت مينا هاوس حيث يتجمع الضيوف لتناول العشاء على أنغام الموسيقى، بينما حاول موظفو الفندق إبراز إحساسهم بالعمل كالمعتاد، على الرغم من استحواذ قطب العقارات المصري الشهير هشام طلعت مصطفى، واثنين من التكتلات الإماراتية القوية، على الفندق مؤخرًا.
البيع بثمن بخس
وتقول الصحيفة إن بيع مينا هاوس وستة فنادق تاريخية أخرى - بتمويل من الإمارات - هو جزء مما وصفه تيموثي كالداس، محلل الاقتصاد المصري المتعثر والمبهم في كثير من الأحيان، بأنه «بيع اضطراري بثمن بخس للغاية» لأصول الدولة، في وقت تسعى فيه الحكومة لتأمين ضخ نقدي بينما تتعمق في الديون.
وتشير الصحيفة إلى أن مصطفى هو أكبر مطور عقاري في مصر، وشهدت إمبراطوريته التجارية ولادة جديدة منذ إطلاق سراحه من السجن عام 2017، بعد أن عفا عنه الرئيس عبد الفتاح السيسي من إدانته بالقتل. وتشمل محفظته العقارية عقارات في العاصمة المصرية الجديدة، جوهرة التاج لمشاريع السيسي العملاقة، بالإضافة إلى ذراعه الفندقي،«أيكون»، التي تمتلك عديدًا من الفنادق الفاخرة في القاهرة.
استحوذت مجموعة طلعت مصطفى الآن على سبعة فنادق تراثية في جميع أنحاء مصر، بما في ذلك مينا هاوس. ويشمل ذلك معالم أخرى تمثل آثارًا لماضي مصر الحديث، بما في ذلك فندق سوفيتيل وينتر بالاس في الأقصر، وأولد كتراكت في أسوان، وفندق شتيجنبرجر سيسيل على ساحل الإسكندرية. وتستمر سلاسل الفنادق العالمية في إدارة الفنادق، لكن شركة أيكون اشترت حصة أغلبية في الشركة الحكومية المصرية التي تمتلكها.
واحتفل رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، بالبيع بقيمة 800 مليون دولار لمصطفى، الذي أشاد بعملية الاستحواذ لجلبها العملة الأجنبية. وأضاف أن عملية البيع مُوِّلت من «مستثمر استراتيجي دولي معروف».
وبعد أسابيع، جرى الكشف عن المشترين الغامضين وهم شركة أبو ظبي التنموية القابضة، وهي صندوق ثروة سيادي مقره في العاصمة الإماراتية إلى جانب شركتها التابعة شركة أبوظبي الوطنية للمعارض (مجموعة أدنيك)، المالكة لمركز إكسل في لندن.
بيع الأصول التاريخية
وتشير الصحيفة إلى أن أي قطعة أرض أو تاريخ حديث ليسا محميان من الجهود اليائسة التي تبذلها الحكومة المصرية لجمع الأموال. واستحوذ المستثمرون الإماراتيون على العقارات والشركات المصرية في السنوات الأخيرة، بما في ذلك بيع مبنى حكومي مصري شهير في ميدان التحرير بالقاهرة بقيمة 200 مليون دولار.
وبحسب ما أفادت التقارير، يُجري كونسورتيوم إماراتي محادثات من أجل صفقة بقيمة 22 مليار دولار للاستحواذ على أرض على الساحل الشمالي لمصر، وهي صفقة ذكرت بلومبرج أنها تضم أيضًا مجموعة طلعت مصطفى.
ويعد بيع مساحات شاسعة من الأراضي والفنادق التاريخية جزءًا من جهود القاهرة للتعامل مع جبل الديون المتزايد. وقد اتسم حكم السيسي بمنح المقربين من نظامه دور اقتصادي كبير، ولا سيما مصطفى، بينما يعاني مواطنوه وسط إجراءات التقشف القاسية وارتفاع التضخم. وتعد مصر الآن ثاني أكبر دولة مدينة لصندوق النقد الدولي بعد الأرجنتين، وتجري حاليا محادثات لزيادة برنامج قروضها.
وقال كالداس، المحلل في معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط: «من الواضح أن هذا بلد يبيع الأصول العامة تحت الإكراه»، مضيفًا أن «المالية المصرية في وضع غير مستدام على الإطلاق».
بُني مينا هاوس ليكون نزلًا ملكيًا للصيد قبل أن يتحول إلى فندق في عام 1887، ويضم بار كوكتيل وغرفة طعام مع إطلالة شاملة على الأهرامات. ويضم جناحه التاريخي أجنحة فاخرة بما في ذلك الغرفة التي أقام فيها ونستون تشرشل خلال مؤتمر القاهرة عام 1943، ونسخة طبق الأصل من غرفة نوم المغنية المصرية أم كلثوم.
وقال لويس مونريال، المدير العام لصندوق الآغا خان للثقافة ومقره جنيف، والذي زار منذ فترة طويلة مينا هاوس، إنه يأمل أن يفهم الملاك الجدد أن الفنادق التاريخية في مصر لها قيمة تتجاوز القيمة المالية. وقال: «إنهم جزء من تاريخ مصر، والسياحة التي ساهمت في اندماج مصر في العالم الأوسع».
ورفض متحدث باسم مجموعة طلعت مصطفى التعليق على مبيعات الفنادق.
وأُدين مصطفى عام 2009 بدفع مليوني دولار لشرطي سابق لقتل الفنانة اللبنانية سوزان تميم، وقتلها في شقة في دبي.
وتضيف الصحيفة أن مثول مصطفى، وهو عضو في النخبة المصرية التي تعتبر تقليديا فوق القانون، أمام المحكمة في القاهرة، اعتُبر دليلًا على غضب الإمارات من أن جريمة القتل وقعت على أراضيها، إذ لا تقوم مصر بتسليم مواطنيها.
وصدمت المحاكمة الجمهور المصري في لحظة نادرة من سقوط الأثرياء في البلاد، في حين ألهمت مؤامرة القتل لاحقًا فيلم «حادثة هيلتون النيل»، الذي لم يُعرض قط في دور السينما المصرية تحت رقابة حكومية شاملة. ودافع مصطفى عن براءته من السجن، وذكر في رسالة حظيت بتغطية إعلامية كبيرة أن التهم الموجهة إليه كاذبة.
وكتب: «هذه الأكاذيب لن تتمكن من تحريك الأهرامات العظيمة التي شيدتها في الاقتصاد المصري».
وفي حين أن كلماته أثارت الازدراء في ذلك الوقت، إلا أنها أثبتت في النهاية أنها رؤية تنبؤية. وبعد إعادة المحاكمة حيث حُكم عليه بالسجن لمدة 15 عامًا، قضى مصطفى نصف تلك المدة قبل أن يعفو عنه السيسي، وبدت إدانته السابقة عائقًا كبيرًا أمام دوره الجديد كوسيط لضخ الأموال الإماراتية في الاقتصاد المصري.
ولم يستجب المتحدثون باسم أبو ظبي القابضة وأدنيك لطلبات التعليق حول الصفقة، أو أهمية صناديق الثروة الإماراتية التي تختار الآن التعامل مع مصطفى.
كما رفضت سلاسل فنادق سوفيتيل وستيجنبرجر التعليق. وأكد متحدث باسم سلسلة فنادق ماريوت التي تدير مينا هاوس أن كل شيء يسير كالمعتاد. وقالوا: «الصفقة لا تؤثر على الأعمال اليومية أو موظفينا».
وأشار كالداس إلى أن بيع الفنادق سيؤدي في النهاية إلى نتائج عكسية في جهود الدولة لجمع الأموال، إذ أن العملات الأجنبية التي تجلبها الفنادق الفنادق سوف تتدفق الآن إلى أماكن أخرى.
حصلت الدولة المصرية على ضخ 800 مليون دولار، وهو خبر رائع لفترة وجيزة، لكنها تخسر إيرادات هذه الأصول إلى الأبد. وكل ما تفعله هو إهدار المال من أجل نموذج اقتصادي غير مستدام، نموذج يعوقه الحفاظ على شبكة محسوبية لا تشبع على حساب المصلحة العامة».
وقال: «هذا لن يؤدي إلى استقرار الاقتصاد، بل يؤدي فقط إلى تأجيل الأمور. مصر مدينة بمبلغ 30 مليار دولار في العام المقبل».