ميدل إيست مونيتور: معاناة المعتقلين السياسيين خلف القضبان في رمضان
لقيمات قليلة قد يقمن صُلب جوع الصائمين خلف القضبان في مصر، لكن الطعام لن يخفف مرارة السجن ظلمًا في قضايا سياسية. في رمضان تلو الآخر، ينتظر المعتقلون بصيص أمل قد يساعد في إطلاق سراحهم وإنها معاناتهم ومحنتهم، وفق ما يخلص تقرير نشره موقع ميدل إيست مونيتور.
سلط تقرير كتبه محمود حسن نشره موقع ميدل إيست مونيتور الضوء على الانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها المعتقلون السياسون في السجون المصرية.
ويلفت الكاتب في مستهل تقريره إلى أن لقيمات قليلة قد تشبع بسهولة جوع الصائمين خلف القضبان في مصر، لكن الطعام لن يخفف مرارة السجن ظلمًا في قضايا سياسية. في رمضان تلو الآخر، ينتظرون بصيص ضوء قد يساعد في إطلاق سراحهم.
يجلب رمضان في السجون المصرية للمعارضين السياسيين مزيجًا من الجوع والمرض، والألم والمعاناة، لكنه قد يجلب لهم أيضًا لحظات قليلة من الأمل والدموع من الدعاء إلى الله وسط آمال في أن ينالوا ذات يوم محاكمة عادلة ستسمح للآلاف الأبرياء بالعودة إلى منازلهم.
وتقدر منظمات حقوقية محلية ودولية عدد المعتقلين السياسيين في مصر بنحو 60 ألف معتقل. ومن بين هؤلاء الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والأكاديميين والأطباء والبرلمانيين السابقين والناشطين من الحركات الإسلامية والليبرالية واليسارية.
في أحد أيام شهر رمضان، نُقل بعض المعتقلين بين السجون، ورفضوا الإفطار لكونهم مسافرين على الطريق، فمكثوا 13 ساعة متواصلة داخل صندوق معدني، حاملين زجاجات المياه الخاصة بهم و بعض الأطعمة الجافة التي لن تفسد في الطريق.
معاناة كبيرة
وينقل الموقع عن محمد سيد، وهو اسم مستعار طلب منا استخدامه، قوله إنه نُقل من سجن الفيوم إلى سجن الوادي الجديد جنوب غربي البلاد، لقضاء عقوبة السجن لمدة عام بتهمة التظاهر ضد نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وخلال تلك الرحلة، نحو السجن القريب من الحدود المصرية الليبية، كان المعتقلون خائفين ومتعبين. واضطر بعضهم إلى التبول داخل السيارة باستخدام الزجاجات البلاستيكية التي كانت بحوزتهم، بعد منعهم من دخول الحمامات.
وقال للموقع البريطاني: «أصيب أحدنا بالإسهال واضطر إلى استخدام الحمام. جعلنا من ملابسنا ما يشبه الستارة حوله حتى يتمكن من قضاء حاجته في السيارة، وينظف نفسه ببعض الماء الذي كان بحوزته، ويجمع البراز في كيس بلاستيكي. كان يتألم كثيرًا: ألم في بطنه وألم الظلم والقهر».
وبعد غروب الشمس بحوالي ساعة، وصلت سيارة الترحيلات وعلى متنها عشرة معتقلين بأعمار مختلفة. تناولوا رشفات من الماء وأكلوا بعض التمور، قبل البدء برحلة ثانية إلى أحد أسوأ السجون شهرة في البلاد.
ومن المعروف أن المسؤولين في هذا السجن، المسمى «المنفى»، «يكرمون» المعتقلين الجدد من خلال تعذيبهم وإساءة معاملتهم وضربهم وإهانتهم عند وصولهم. ويضم السجن 216 زنزانة، وغالبا ما تستهدف الانتهاكات معارضي السيسي.
الصيام داخل الثلاجات
وأشار الكاتب إلى تجربة أخرى للمعتقلين الذين يصومون رمضان في السجون المصرية، وهي ما يسمى بالصيام داخل الثلاجة، في إشارة إلى زنازين صغيرة جدًا تخضع لرقابة الأمن الوطني. وتتوزع هذه الزنازين على مراكز الشرطة والمقرات الأمنية في كافة أنحاء البلاد.
عادة ما تُخصص «الثلاجة» لأولئك الذين اختفوا قسرًا. ويبقون هناك قبل عرضهم على النيابة العامة، وقد يبقون هناك لعدة أيام أو أسابيع أو أشهر. إنها غرفة مصنوعة من جدران خرسانية بدون نوافذ. لا يوجد هواء نقي أو ضوء الشمس. غالبًا ما تكون هذه الزنازين موبوءة بالحشرات مثل الصراصير والنمل وغيرها.
وقال شاهد عيان، طلب عدم الكشف عن هويته، إن أصعب أيام الصيام كانت في «الثلاجة»، حيث كانت الزيارات ممنوعة منعا باتا، كما كان دخول الطعام من أفراد الأسرة يزيد الطين بلة.
وتابع: «كنت أصوم وحدي، وأتناول السحور وحدي، وأفطر وحدي، لكن في بعض الأحيان، في لحظة شفقة، يسمح لي الضابط المسؤول بشراء الطعام من خارج السجن، على نفقتي الخاصة».
وأوضح أن المعتقلين يطلبون من النيابة العامة تجديد حبسهم وعدم الإفراج عنهم حتى يتمكنوا من البقاء في السجن الرئيس وعدم وضعهم في «الثلاجة» خوفًا من تعرضهم للتعذيب والتنكيل أو إعادة تدوير ملفاتهم في سجون جديدة.
ولفت الكاتب إلى أن من أكثر الأشخاص الذين يعانون من قضية إعادة التدوير هو المرشح الرئاسي السابق ورئيس حزب مصر القوية عبد المنعم أبو الفتوح ونائبه محمد القصاص. وقد جرى تدويرهم منذ القبض عليهم عام 2018، بتهمة الانضمام إلى جماعة إرهابية وتمويلها ونشر أخبار كاذبة.
ومقارنة بالصيام داخل سيارة الترحيل و«الثلاجة»، يبدو الوضع أفضل داخل السجون الرئيسة والمركزية، التي بلغ عددها عام 2021 نحو 168 سجنا، لا تشمل أقسام الشرطة والمعتقلات السرية، بحسب مركز أبحاث مبادرة الإصلاح العربي.
ويوجد داخل السجون الرئيسة، التابعة لمصلحة السجون ومديريات الأمن، غرف وعنابر كبيرة مزودة بثلاجات لتخزين المواد الغذائية. ويُمنح المعتقلون وقتًا لممارسة الرياضة يوميا. كما يُسمح لهم باستقبال الزوار أو تلقي الطعام من عائلاتهم أو شراء السلع من مقصف السجن.
ويقول صابر الشرقاوي، وهو اسم مستعار آخر، إن الأسر تقدم وجبات الإفطار والسحور لأقاربها خلال شهر رمضان وغيره من الأيام، ويُحتفظ ببقايا الطعام في ثلاجة العنبر. كما يستفيدون من الوجبات التي تقدمها إدارة السجن، والتي تشمل الأرز ونوع من الخضار بالإضافة إلى اللحوم التي تقدم مرتين في الأسبوع. يتوفر البيض والمسقعة (الباذنجان المقلي) في الأيام الأخرى. وجبة السحور تشمل الفول والطحينة.
داخل السجون الرئيسة، يمكن أداء صلاة التراويح والتهجد، بينما يُسمح بالدروس الدينية والعلمية وقراءة القرآن الكريم، على أن يجري ذلك في كل غرفة على حدة. وتُراقب هذه الأنشطة من إدارة السجن، من خلال كاميرات موزعة في جميع أنحاء العنابر، بحسب تصريح صابر.
وقال صحفي وشاهد عيان، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إنه قضى أكثر من شهر رمضان خلف القضبان قبل أن يُطلق سراحه منذ سنوات. وأشار إلى أنه كان يعاني من الجوع والخوف أثناء صيامه. الجوع عندما يفسد الطعام بسبب ارتفاع درجة الحرارة فيفطر على تمر وماء فقط، والخوف عندما يغلق باب الزنزانة.
وقال: «ولم يكن لنا من سبيل سوى القرب من الله وتدبر آيات القرآن الكريم. كنا نصلي ونسهر الليل كله، ونختم القرآن كثيرًا، ونبكي كثيراً. كانت الخلوة مع الله، ولولا ذلك لكنا متنا من الخوف والظلم والقهر».
وجبات مشتركة
خلال شهر رمضان، يتكبد أفراد عائلات المعتقلين نفقات كبيرة استعدادًا لزيارتهم. ويقومون بتحضير الطعام لأقاربهم المسجونين، وهو ما يشكل نفقة إضافية وباهظة الثمن في ظل انهيار العملة المحلية وارتفاع الأسعار الذي أثر على جميع السلع الغذائية. كما أن هناك مشقة السفر حيث تضطر الأسر إلى السفر من المحافظات البعيدة لساعات طويلة لرؤية أحبائهم في السجون القريبة من الحدود، فقط للبقاء معهم لمدة نصف ساعة.
ويشارك أهالي المعتقلين في إعداد وجبات طعام تكفي إجمالي عدد الأشخاص في الزنزانة الواحدة وهو 25 فرداً، وسيكون لكل أسرة دور في تحمل تكلفة إعداد الوجبات يوم الزيارة، مما يضمن إيصال الطعام بشكل منتظم إلى المعتقلين طوال الأسبوع في تلك الزنزانة.
لكن أم أحمد، زوجة أحد المعتقلين الجدد، تقول إنها لا تستطيع إعداد الطعام لزوجها الذي اعتقل قبل شهر رمضان. وهي لا تعرف مكان احتجازه أو إلى أين أُرسل بعد اختفائه قسرًا. واتصلت بالنائب العام والجهات المعنية الأخرى، لكنها لم تتلق أي رد.
وبطبيعة الحال، تختلف حياة السجناء في شهر رمضان من سجن إلى آخر. كما يختلف الأمر بحسب ما إذا كان محبوسًا احتياطيًا، أو مختفيًا قسريًا، أو إذا صدر ضده حكم نهائي. ومع ذلك، يظل الجوع والخوف مشاعر غامرة يشعر بها جميع المعتقلين في سجناء مصر في شهر رمضان، وفي كل شهر.