نيويورك تايمز: الفصول الدراسية العامة فارغة بينما يزداد المعلمون الخاصون ثراءً

خلاصة

في بلد تعوقه أزمة اقتصادية، غالبًا ما تلجأ العائلات إلى مراكز التعليم الخاصة بدلًا من المدارس العامة بحثًا عن مستقبل أفضل لأبنائهم، وأحيانًا يضحون بقُوُت يومهم لدفع ثمن الدروس، بحسب ما يخلص تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز.

في بلد تعوقه أزمة اقتصادية، غالبًا ما تلجأ العائلات إلى مراكز التعليم الخاصة بدلًا من المدارس العامة بحثًا عن مستقبل أفضل لأبنائهم، وأحيانًا يضحون بقُوُت يومهم لدفع ثمن الدروس، بحسب ما يخلص تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز.

نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقريرًا أعدَته مدير مكتب الصحيفة الأمريكية في القاهرة فيفيان يي تُسلِّط فيه الضوء على ازدهار الدروس الخصوصية والمراكز التعليمية الخاصة في مصر في الوقت الذي يهجر فيه الطلاب المدارس العامة.

تبدأ الصحيفة تقريرها بمقابلة مع الطالية نيرمين أبو زيد والتي بدت منشغلة للغاية عندما سُئلت عن شكل الفصول الدراسية في عامها الأخير في المدرسة الثانوية، وهي الفترة المصيرية التي يستعد فيها الطلاب في جميع أنحاء البلاد للامتحانات الوطنية التي تحدد نوع حياتهم في مصر.

أجابت والدتها منال أبو زيد، 47 سنة: «لا نعرف في الواقع لأنها لم تذهب إلى المدرسة الثانوية».

نيرمين، 19 عامًا، ليست من النوع التي تتغيب عن فصولها الدراسية. ومنذ  أن كانت طفلة تعيش في الأزقة المتربة في حي لـ الطبقة المتوسطة الدنيا في القاهرة، كانت مصممة، في المدرسة الإعدادية، على أن تصبح طبيبة قلب. لكن كليات الطب تقبل فقط الحاصلين على الدرجات العليا في الامتحانات الوطنية.

تخلت عن مدارس مصر المزدحمة والمكدسة والمفتقرة للتمويل في منتصف الطريق حتى المدرسة الإعدادية، وانضمت إلى ملايين الطلاب الآخرين الذين استبدلوا الدروس الخصوصية بالمدارس العامة، إذ يمكن للمعلمين أنفسهم امعلمين الذين يتقاضون رواتب قليلة للغاية في المدرسة مقابل عناء التدريس أن يكسبوا أضعاف رواتبهم اليومية في حصص التجهيز للامتحانات.

نشاط تجاري كبير 

وتلفت الصحيفة إلى أن صناعة الدروس الخصوصية في مصر أصبحت نشاط تجاري كبير من خلال ملء الفراغ الذي تركته المدارس العامة، التي كانت ذات يوم حجر الأساس لتقدم الطبقة المتوسطة. ويقول المحللون إن سوء إدارة الحكومة للاقتصاد قلل من قوة الطبقة الوسطى في مصر، مما جر العائلات نحو الفقر ليس فقط من خلال الأزمات الاقتصادية المتكررة وخفض الدعم، ولكن بشكل متزايد من خلال تكلفة الخدمات التي تُفترض أنها مجانية مثل الرعاية الصحية والتعليم.

من خلال التوفيق بين زيادة السكان والاقتصاد الراكد ومشاريع البناء الباهظة، أنفقت مصر منذ فترة طويلة أقل بكثير من الحد الأدنى الدستوري البالغ 4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي على التعليم، حتى مع ابتعاد الطلاب عن التصنيف التعليمي العالمي.

وتشير الصحيفة إلى أن مراكز الدروس الخصوصية الهادفة للربح هي المكان الذي تحاول فيه العائلات المصرية تجاوز تراجع بلادها. ويعتقد الكثيرون أن الدروس هي الطريقة الوحيدة لتأمين مستقبل أفضل لأبنائهم، حتى لو كان ذلك يعني التضحية باللحوم والفواكه والخضروات وسط تضخم بلغ 35 في المائة.

ضربت الأزمة الاقتصادية الحالية صناعة الاستيراد، والتي يعمل بها والد نيرمين. وقالت والدتها، ربة منزل، وهي تفكر في رسوم التدريس التي سيدفعونها إذا احتاجت نيرمين، التي فشلت في امتحانات العام الماضي، إلى محاولة ثالثة: «نحن في حالة سيئة للغاية. آمل أن لا نضطر إلى فعل هذا مرة أخرى».

قبل عامين، حاولت الحكومة المصرية إصلاح نظام الامتحانات لتعزيز إمكانات الفهم على الحفظ، وهو تحول يهدف إلى القضاء على الدروس الخصوصية، والتي يكون الحفظ فيها هو المهيمن. لكن المدارس ظلت تعاني من نقص حاد في التمويل، ولم يتضاءل الطلب على الدروس الخصوصية أبدًا.

قال الرئيس عبد الفتاح السيسي العام الماضي إن مصر «ليس لديها القدرة المالية» على تعليم الطلاب تعليمًا جيدًا، رغم إصرار حكومته على أنها تلبي الحد الأدنى الدستوري. وأضاف: «من أين سيأتي المال ؟»

من الوالدين، حسبما تُعلق الصحيفة. ويقدر الخبراء أن المصريين ينفقون مجتمعين أكثر من مرة ونصف ما تنفقه الحكومة على التعليم قبل الجامعي، أعلى بكثير مما تنفقه في البلدان الأخرى - وهو مبلغ «مذهل»، كما قالت الباحثة هانيا صبحي، التي كتبت كتابًا عن التعليم المصري.

حلقة مفرغة

ويقول الخبراء إن الإنفاق الضعيف على التعليم خلق حلقة مفرغة، ذلك أن التدريس الخصوصي يؤدي إلى تفكيك التعليم العام، وسحب الطلاب في الصفوف العليا ومكافأة المعلمين على تكريس طاقاتهم في الدروس الخاصة بدلًا من الفصول الدراسية العامة، وفقًا للصحيفة.

الآباء، وليس الحكومة، هم من يدفعون الفاتورة.

وتوضح الدكتورة هانيا: «إنها حلقة ذاتية الاستدامة. إذا لم يأت أحد إلى المدرسة، فلن يكون لدى المعلمين حافز للتدريس».

منذ عقود، ربما كان استثمارًا سليمًا. فقد كانت الدرجات الجيدة في الامتحانات تضمن للأجيال الأكبر سنًا كلية جيدة ومن ثم وظيفة، عادةً وظيفة حكومية، والتي تضمن رواتب مستدامة ومعاشات تقاعدية ثابتة.

قال راجوي أسعد، الأستاذ بجامعة مينيسوتا الذي يدرس سياسة التعليم والعمل المصرية، بدءًا من الرئيس جمال عبد الناصر، الذي جعل التعليم متاحًا على نطاق واسع، كان الامتحان هو «الوسيلة الأساسية للحراك الاجتماعي».

ونوَّهت الصحيفة إلى أن الوظائف الحكومية باتت أقل وفرة هذه الأيام، لكن هيبة الامتحانات لا تزال باقية. لأسابيع قبل امتحانات هذا العام، كانت نرمين أبو زيد تدرس منذ لحظة استيقاظها حتى اللحظة التي لا تستطيع مقاومة النوم فيها وتخلد إلى السرير - وهو برنامج أخف من العام الماضي، عندما كانت تضطر للبقاء متيقظة عدة ليالي على التوالي قبل الاختبار الأول.

توقفت عن الدراسة فقط لتأدية الامتحانات التي استمرت من منتصف يونيو إلى منتصف يوليو. وتحدد النتائج ليس فقط ما إذا كانت تذهب إلى الكلية وأين تذهب، ولكن أيضًا ما يمكنها التخصص فيه (الطب للدرجات العليا، وتأتي الهندسة بعدها بخطوة،  والقانونوالأعمال والفنون في درجة دنيا) وإلى أي مدى يمكن لوالديها التشرف بها. ولن تجد عديدًا من الآباء المصريين من الطبقة المتوسطة يزوجون أبنائهم من شخص بدون شهادة.

ومع ذلك، على الرغم من كل الوقت والمال والجهد الذي يُبذل، فإن الامتحانات في نهاية المطاف تكون غير ذات صلة بالغالبية العظمى من المصريين. في هذه الأيام، يعمل عدد قليل من خريجي الجامعات في المجال الذي درسوا فيه، وينتهي الأمر بعديد منهم بدون وظائف رسمية على الإطلاق.

مؤهلات أخرى لسوق العمل

قال الدكتور أسعد إن الكثير من أرباب العمل يوظفون بناءً على العلاقات والطبقة الاجتماعية، ويسألون المتقدمين عن عضوية النوادي العائلية بدلًا من المؤهلات باعتبارها وسيلة لتصفية الكليات المتماثلة منخفضة الجودة. عادة ما يكسب خريجو الجامعات الذين ليس لديهم مثل هذه المؤهلات اللامنهجية لقمة عيشهم من أعمال مثل سائقي أوبر أو عمال بناء أو عمال نظافة.

وقال عاصم أشرف، 17 عامًا، خارج مركز أوكسفورد التعليمي في التجمع، إحدى ضواحي القاهرة، بعد ظهر أحد الأيام قبل أسابيع قليلة من امتحانات هذا العام: «يعتقد الناس أن مستقبلك يعتمد على ذلك. لكن دعني أخبرك، 90 بالمائة من الطلاب لن يجدوا وظيفة».

قبل أن يصبح التدريس الخصوصي شائعًا في التسعينيات، كان معظم الطلاب الذين يلجأون للدروس الخصوصية يرون مدرسيهم بعد المدرسة، وفقط للمواد التي يحتاجون فيها إلى مساعدة إضافية. ولكن مع ارتفاع عدد السكان وضعف الإنفاق، أضحت المدارس العامة مكتظة ومكدسة لدرجة أن الطلاب اضطروا إلى الحضور في فترات مختلفة، وانهارت المباني من نقص الصيانة وقلَّص التضخم رواتب المعلمين المنخفضة بالفعل إلى رواتب متدنية. وعلى نحو متزايد، تحول الطلاب الذين يسعون للحصول على درجات عليا في الامتحانات إلى الدروس الخصوصية.

صناعة رائجة

وقالت الصحيفة إن صناعة الدروس الخصوصية أصبحت راسخة لدرجة أن الطلاب في المدارس الخاصة باهظة الثمن يتدفقون أيضًا على المراكز التعليمية.

ذاع صيت المعلمين من خلال التنبؤ بالأسئلة بدقة، سواء من خلال الخبرة أو عن طريق رشوة مسؤولين حكوميين في هذا الشأن. في هذه الأيام، يمكن للمعلم الشهير جذب 400 طالب أو أكثر لكل فصل، ويكسب المعلمون الأكثر رواجًا ما يكفي لامتلاك سيارة بورش.

قبل أن تُشيع جائحة فيروس كورونا التعليم عبر الانترنت، غالبًا ما كان يستأجر هؤلاء المعلمون المسارح أو المساجد أو القاعات لتستوعب جمهورًا كبيرًا من الطلاب يُقدر بالآلاف لحصص المراجعات النهائية قبل الامتحان، كما قال ماجد حسني، أحد المدرسين المخضرمين في الصناعة الذي افتتح أحد المراكز التعليمية الأولى في القاهرة.

يقوم المعلمون الأكثر شعبية بغرس الحقائق والشخصيات في أذهان طلابهم من خلال النكات والأغاني التي يؤلفونها بأنفسهم. ويقوم آخرون ببناء علاماتهم التجارية باستخدام الكتب والدفاتر المنشورة بأسمائهم ووجوههم المزخرفة على كل صفحة. وعلى الفيسبوك، يتجادل معجبوهم بشدة حول أفضل المعلمين.

قالت هاجر جمال، 18 عامًا، التي درست بمركز أكسفورد ومركزين آخرين لانتقاء مجموعة من المعلمين من الدرجة الأولى: «أريد أن أصبح معلمة. إنها وظيفة يمكن أن تجلب الكثير من المال».

لا عجب إذن أن المراكز تتنافس لتوظيف كبار المعلمين. حتى الأطباء معروفون بالتحول إلى الدروس الخصوصية لكسب المزيد من المال، وفقًا للصحيفة.

المؤهل الوحيد المهم هو عدد الطلاب الذين يمكنهم جذبهم.

قال محمد جلال، 35 عامًا، مدرس الرياضيات في أكسفورد والذي يدرس أيضًا في مدرسة خاصة قريبة: «ما كنت سأصنعه في شهر في مدرستي، يمكنني صنعه في يوم واحد هنا. وليس المال فقط هو ما تحصل عليه، لكنك أيضًا تحصل على المكانة والاحترام ».

في أحد فصول جلال هذا الربيع، قام اثنان من المساعدين بدوريات في قاعة المحاضرات في الطابق السفلي حيث كان يجلس حوالي 100 طالب.

قال جلال للطلاب من خلال ميكروفون، وهو يكتب المعادلات على السبورة البيضاء: «الرياضيات تتطلب التركيز والنوم الكافي. السهر لوقت متأخر أمر سخيف - لن يوفر لك ذلك بضعة أيام قبل الامتحان».

وبعد أن أضرَّ التضخم بميزانيات العائلات هذا العام، سمح المركز لمزيد من الطلاب في فصله بالحضور مجانًا. ومع ذلك، استمر الآباء في دفع كل ما في وسعهم.

قالت زينب معوض، 18 سنة، طالبة في مدرسة عامة تحضر في مركز أكسفورد: «في بعض الأحيان، يعتمد ما نأكله اليوم على ما إذا كان لدي حصة غدًا، فإذا كان لدي حصتان في الغد، على سبيل المثال، فإننا نأكل الكشري اليوم»، في إشارة إلى أرخص الأطباق المصرية،.

قالت إن المشقة، في نظر والديها، تستحق العناء: «إنهم لا يريدون أن يشعروا بالتقصير إذا لم أحصل على نتيجة جيدة».

في الليلة التي سبقت ظهور نتائج الامتحان هذا الأسبوع، لم يكد ينام والدا نيرمين. انطلقت نيرمين من غرفتها حوالي الساعة 5 صباحًا. وصرخت «أمي، لقد نجحت». لم تكن درجاتها قريبة من المستوى العالي بما يكفي لتلتحق بكلية الطب. لكن والدتها أطلقت الزغاريد فرحًا.

الموضوع التالي قبرص ميل: تطوير حقل أفروديت بات أقرب من أي وقت مضى
الموضوع السابقالعلاقات المصرية الإماراتية والثانوية العامة وارتفاع الأسعار وأزمة الكهرباء والعلاقات المصرية العربية