أتلانتك كاونسيل: مصر تمحو تاريخ مدينة الموتى

خلاصة

حذر تقرير نشرته مجلة أتلانك كاونسيل من استمرار الحكومة المصرية في تدمير المقابر التاريخية، مشيرة إلى ضرورة أن تتعلم السلطات من دروس الماضي، لافتة إلى أنه ومع تضاؤل صبر المصريين على الأزمة الاقتصادية المتفاقمة والظروف المعيشية الرهيبة، فإن آخر ما تحتاجه الحكومة هو قضية أخرى تؤجج مشاعر المصريين.

نشرت مجلة أتلانتك كاونسيل تقريرًا للكاتبة شهيرة أمين تسلط فيه الضوء على هدم الحكومة المصرية للمقابر التاريخية في مصر. 

تستهل الكاتبة تقريرها بالإشارة إلى أن مدينة الموتى في القاهرة - وهي مجموعة مقابر شاسعة من العصر الإسلامي تقع عند سفح هضبة المقطم وعلى مسافة قصيرة من قلعة القاهرة – كانت حتى وقت قريب موقعًا للدفن يضم مجموعة رائعة من الأضرحة والمقابر التاريخية. وتعود بعض المقابر في المجمع إلى عصر المماليك في 1200-1500. والبعض الآخر بمثابة المثوى الأخير للعلماء والشخصيات الثقافية والحكام وأفراد العائلات الملكية والنخبة في مصر.

الآن، تحوَّل جزء كبير من المقبرة إلى أنقاض مع استمرار الجرافات في هدم الأضرحة التي تعود إلى قرون على الأرض. وهذا الهدم جزء من خطة حكومية «لتحديث القاهرة» وإفساح المجال للطرق والجسور التي من شأنها أن تربط وسط القاهرة بعاصمة إدارية جديدة، وهي قيد الإنشاء حاليًا في الصحراء - على بعد حوالي 22 ميلًا (خمسة وثلاثين كيلومترًا) شرق المدينة المزدحمة.

بين الإشادة والنقد

وأشارت الكاتبة إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي، ومنذ توليه الرئاسة في عام 2014، أنفق أكثر من 500 مليار دولار على مشاريع التنمية الحضرية التي تشمل بناء العاصمة الجديدة والمدن الذكية وشبكات الطرق الواسعة، مما يجعل تطوير البنية التحتية سمة مميزة لرئاسته. 

وفي حين يشيد المؤيدون بإصلاح البنية التحتية على مستوى البلاد باعتباره خطوة ضرورية وفي وقتها المناسب ، يرفض النقاد مشاريع «التباهي» الضخمة للسيسي، بحجة أنها جاءت بتكلفة باهظة للمصريين. كذلك يلاحظ المشككون أن المشاريع هي عمل مربح للمقاولين العسكريين الذين ينفذون الجزء الأكبر من أعمال البناء. وفي غضون ذلك، يصر السيسي على أن دور الجيش في هذه المشاريع هو مجرد «إشراف».

وأثار الهدم المستمر لمقابر العصور الوسطى غضبًا من المحافظين والمواطنين الذين يأسفون لمحو تراثهم الثقافي وجزء من تاريخهم. ومع ذلك، لم تلق الصرخات آذانًا صاغية، ولا يزال تدمير موقع التراث مستمرًا بلا هوادة.

غضب وتحذير

ولفتت الكاتبة إلى أن الحكومة دافعت عن خطتها للتحديث، وأصرت على أن تطوير شبكات الطرق وإزالة مناطق الأحياء الفقيرة في مصلحة الجمهور. كما تصر على أن الآثار في القاهرة التاريخية، أحد مواقع التراث العالمي لليونسكو حيث تقع مدينة الموتى، ستبقى سليمة. لكن حفظة التراث الثقافي غير مقتنعين. ويحذرون من أن عديدًا من الأضرحة التاريخية في موقع الدفن غير مسجلة كآثار، مما يعرضها لخطر الهدم. وهم يطالبون بحماية القاهرة التاريخية والحفاظ عليها بسبب أهميتها التاريخية وقيمتها المعمارية ويقترحون تطويرها باعتبارها منطقةجذب سياحي.

توقفت عمليات الهدم، التي بدأت في عام 2020، لبضعة أشهر بعد تدفق غضب النشطاء على منصات التواصل الاجتماعي المصرية. وفي مايو 2022، اتخذت الحكومة قرارًا بهدم قبر طه حسين، وهو كاتب مؤثر من القرن العشرين ومفكر يطلق عليه اسم «عميد الأدب العربي»، للسماح بتشييد جسر علوي يربط طريق القاهرة الدائري بالعاصمة الإدارية الجديدة. وأثار هذا رد فعل عنيفًا من النشطاء.

ونوَّهت الكاتبة إلى أن الحكومة رضخت لعاصفة ضغط الحفاظ على البيئة، وألغت قرارها المثير للجدل بهدم ضريح حسين. لكن القبر عانى من أضرار من بناء الجسر العلوي الجديد، الذي يلوح الآن فوقه، مما خلق منظرًا خرسانيًا قبيحًا للعين. توعد الجسور التي تنتشر في جميع أنحاء البلاد منذ سنوات سمة مميزة لجمهورية السيسي الجديدة، في حين تم قطع عديد من أشجار الشوارع لتمهيد الطريق لمشاريع بناء الطرق الضخمة. كما دُمرت الحدائق العامة على نحو ممنهج لخلق مساحة للكافيتريات ومواقف السيارات.

في الأيام الأخيرة، دقت أمنية عبد البر، المهندسة المعمارية المتخصصة في الحفاظ على التراث الثقافي وتوثيقه، ناقوس الخطر، معلنة عبر حسابها على منصة إكس (X) أن الجرافات عادت إلى موقع التراث. وطالبت أمنية، التي نشرت صورة رافعة على وشك العمل في ضريح تاريخي، بالمساعدة في وقف عمليات الهدم.

وبعد أيام قليلة، في 28 أغسطس، نشرت أمنية على منصة إكس أن أربعة أعضاء من اللجنة الدائمة المكلفة بتوثيق المباني التاريخية والتراثية ذات القيمة المعمارية البارزة والأهمية التاريخية قد استقالوا احتجاجًا على تدمير الأضرحة في منطقتي الإمام الشافعي والسيدة نفيسة.

وفي 31 أغسطس، قدم أيمن ونس، أستاذ التخطيط العمراني بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري ورئيس لجنة منطقة شرق القاهرة، استقالته إلى محافظ القاهرة خالد عبد العال، مشيراً إلى أن هدم الأضرحة التاريخية تخالف القانون. في اليوم التالي، تراجع ونس عن استقالته، مشيرًا على صفحته على الفيسبوك إلى أن النقاد استخدموها «لمهاجمة جهود الدولة الحاسمة والمستمرة لتطوير وتحسين البنية التحتية وحياة المواطنين، وهو ما لم يكن هدفي ولا نيتي.»

كما أعربت اليونسكو، المعنية بحماية وحفظ التراث الثقافي والطبيعي في جميع أنحاء العالم، عن قلقها إزاء عمليات الهدم. وقالت وكالة الأمم المتحدة في بيان لصحيفة ذا ناشيونال إن خبرائها على اتصال بالسلطات المصرية «للتوفيق بين مشاريع التنمية الحضرية المخطط لها وحماية التراث العالمي، بما يتماشى مع التزامات مصر الدولية».

إنقاذ ما يمكن إنقاذه

وأضافت الكاتبة أن مجموعة من المؤرخين ودعاة الحفاظ على البيئة وعشاق التراث الثقافي نظمت، في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الآثار الثمينة، زيارات أسبوعية إلى مدينة الموتى ويلتقطون الصور لتوثيق مشاهد الدمار ويفحصون الأنقاض بحثًا عن شظايا متناثرة من شواهد القبور القديمة وغيرها من القطع ذات الأهمية التاريخية.

أطلقت جليلة القاضي، المؤلفة والأستاذة الفخرية للتخطيط الحضري والهندسة المعمارية - جنبًا إلى جنب مع مجموعة من المخططين الحضريين والمهندسين المعماريين والنشطاء - عريضة تطالب الحكومة بوقف هدم المقابر في القاهرة التاريخية. كما تنص العريضة على أن «مطالب المصلحة العامة يجب ألا تأتي على حساب التراث الثقافي المصري». كما تشن المجموعة حملة قوية ضد خطة وزارة الإسكان لنقل رفات الموتى إلى منطقة أخرى.

واشارت الكاتبة إلى ان عشرات العائلات تلقت مكالمات أو رسائل من الحكومة في الأشهر الأخيرة تطلب منهم نقل رفات أحبائهم المتوفين من مقابر الإمام الشافعي في مدينة الموتى إلى المقبرة الجديدة. لم يكن لدى الكثيرين خيار سوى الامتثال. قدم البعض شكاوى قانونية إلى مكتب المدعي العام ولكن دون جدوى. قام آخرون لم يتلقوا المكالمة المخيفة بنقل رفات ذويهم المتوفين خوفًا من تسوية مقابرهم دون إخطار مسبق، وهي مخاوف مبررة في ضوء شواهد سابقة.

مشاعر الاستياء

وأوضحت الكاتبة أن آثار الدمار الذي خلفه المطورون الحضريون أثارت مشاعر الاستياء العارم بين دعاة الحفاظ على البيئة والنشطاء على حد سواء. 

وتُلخص تغريدة نشرها عمرو علي، الكاتب وأستاذ علم الاجتماع المساعد السابق في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، في 28 أغسطس تلك المشاعر: «مستوى الجشع الأعمى، والاستحقاق الذاتي، والإفلات من العقاب، الذي يجب أن يتطلبه تدمير تراثنا المجتمعي الجميل عندما لا تجرؤ حتى الحروب الخارجية والمساعي الاستعمارية على لمسه».

وأثار آخرون مخاوف بشأن مصير الآلاف من الأسر ذات الدخل المنخفض التي تعيش وتعمل بين المقابر منذ عقود، معتمدين على صدقات من أقارب الموتى لإعالة أسرهم. وسيعني تدمير المقابر أن تلك العائلات الفقيرة يجب أن تبحث عن سكن بديل ومأوى ووسائل أخرى للبقاء على قيد الحياة.

منذ 2 سبتمبر، توقفت عمليات الهدم في الإمام الشافعي وأغلق الموقع التراثي أمام الزوار - بمن فيهم دعاة الحفاظ على البيئة - وسط وجود أمني مكثف في المنطقة، بحسب مدى مصر. كما أُطليت العلامات الحمراء على جدران الأضرحة المقرر هدمها أو إزالتها. ومن المحتمل أن تكون هذه التحركات نتيجة العاصفة على وسائل التواصل الاجتماعي بسبب حملة التدمير الحكومية. ومع ذلك، من السابق لأوانه معرفة ما إذا كان المسؤولون قد غيروا رأيهم بشأن عمليات الهدم أو ما إذا كانوا ينتظرون تبدد الغضب قبل استئناف إبادتهم للقاهرة التاريخية.

ستكون الاستراتيجية الأخيرة خطأ، وسيكون من الحكمة أن تستجيب الحكومة لدعوات النشطاء لوقف تدمير موقع الدفن وقفًا دائمًا. ويتعين على السلطات الانتباه إلى دروس الماضي، عندما نظم الفنانون والمثقفون اعتصامًا عام 2013 في وزارة الثقافة للاحتجاج على النفوذ المتزايد لجماعة الإخوان المسلمين على الفن. وكان هذا في النهاية مقدمة لاحتجاجات 30 يونيو 2013 التي أسقطت الحكومة الإسلامية السابقة.

ومع تضاؤل صبر المصريين على الأزمة الاقتصادية المتفاقمة والظروف المعيشية الرهيبة، فإن آخر ما تحتاجه الحكومة هو قضية أخرى تؤجج مشاعر المصريين، وفق ما تختم الكاتبة.

الموضوع التالي جيروزاليم بوست: الموساد يكشف في مستندات حرب أكتوبر أن مصر أرادت حربًا محدودة
الموضوع السابقميدل إيست اي: ترشيح وزير الآثار المصري السابق لليونسكو يشوبه عمليات هدم