نيويورك تايمز: تجربة الكاتب حسين عمر الحكومة المصرية تهدم تاريخ عائلتي

خلاصة

من خلال تجربته الشخصية مع مقبرة والدته، ينتقد الكاتب والمؤرخ حسين عمر خطة الحكومة المصرية لهدم المقابر التاريخية في مدينة الموتى وتأثير ذلك التراث واستقرار مصر.

نشرت صحيفة نيويورك تايمز مقاله كتبه حسين عمر، أحد المتضررين من هدم المقابر في القاهرة، يحكي فيها تجربته الشخصية مع خطة الحكومة المصرية لهدم المقابر التاريخية في القاهرة في مدينة الموتى.

يستهل الكاتبه مقاله بالإشارة إلى أنه دفن والدته إلى جانب أسلافها في ضريح تاريخي في القاهرة تُعرف باسم مدينة الموتى، موضحًا أنها أقدم مقبرة إسلامية مستخدمة باستمرار في العالم، وتحتوي على عديد من المقابر والأضرحة المتقنة التي يعود تاريخها إلى القرن السابع. ويعيش بين المقابر ما لا يقل عن نصف مليون - ربما أضعاف هذا العدد. لطالما كانت مدينة الموتى مدينة تنبض بالحياة.

ويتطرق الكاتب إلى ذكرياته مع المدينة وزيارته لوالدته على مدى 22 عامًا  والعلاقات التي كونها مع بعض من يعيشون في تلك المدينة، لافتًا إلى أن مدينة الموتى لا تؤوي ذكرياته الشخصية فحسب ؛ بل هي واحدة من آخر المستودعات المفتوحة المتبقية لذاكرة مصر التاريخية.

هدم مدينة الموتى

يشير الكاتب إلى أن الحكومة المصرية تقوم الآن باستخراج الجثث وإخلاء الأحياء وهدم المباني التاريخية التي تأويهم. وتهدم الحكومة مدينة الموتى لإفساح المجال لطريق سريع يسمى محور الفردوس، سلسلة من الجسور العلوية التي تدعي الحكومة أنها ستخفف بعض الازدحام المروري سيئ السمعة في القاهرة. هذا المشروع، المستمر منذ عام 2019، يتصاعد الآن. وسيربط الطريق السريع المدينة بالعاصمة الإدارية الجديدة التي يقيمها الرئيس عبد الفتاح السيسي بتكلفة متوقعة تبلغ 59 مليار دولار.

كل هذا جزء من خطة السيسي لما يسمى بتحديث القاهرة: سلسلة من المشاريع التي تتضمن القضاء على الأحياء وتشريد مئات الآلاف من الأشخاص وهدم مبان عمرها قرون باسم التنمية. 

محو التاريخ

ويلفت الكاتب إلى أن غضبه من هذا المحو العنيف للتاريخ لا ينجم عن الارتباط الرومانسي أو الجمالي بالماضي، أو حتى الخسارة المحتملة لقبر والدته. ذلك لأن عمليات الهدم هذه جزء من خطة أكبر، لها آثار مرعبة على الديمقراطية والديموغرافيا على حد سواء.

على مدى العقد الماضي، أصبحت سلسلة من عمليات الإخلاء الجماعي التي لا تحظى بشعبية كبيرة أمرًا بالغ الأهمية لتحقيق رؤية الجنرالات للتنمية.

منذعام 2017، تحاول حكومة السيسي طرد بعض سكان جزيرة الوراق، الذين تعيش عديد من عائلاتهم في هذه الجزيرة النيلية منذ مئات السنين، لإفساح المجال لناطحات السحاب الفاخرة. ويزعم المسؤولون أن السكان غرباء، على الرغم من أن عديدًا من هذه العائلات لديها وثائق قانونية لإثبات حقوقها في البقاء على أرض أجدادهم. وهو أمر تكرر في عدة مناطق داخل القاهرة.

وأضاف الكاتب أن السيسي ليس فقط غير مبال بتاريخ مصر الحديث، بل إنه مستاء منه كذلك. فالتواريخ التي تعلمتها من مدينة الموتى تقف في طريق الماضي الفرعوني المفترض. في عام 2021، نظم السيسي عرضًا عسكريًا للمومياوات الملكية لحشد الدعم لحرب محتملة ضد إثيوبيا. وقامت الزمرة العسكرية الحاكمة بمحو جميع علامات الربيع العربي لعام 2011 في ميدان التحرير من خلال تجميع نصب تذكاري عسكري من الكباش والمسلات المنهوبة من المواقع القديمة. في الآونة الأخيرة، أعلنت محافظة القاهرة أنها تعتزم إعادة تسمية جزيرة الوراق لتكون على اسم الإله القديم حورس.

قد يكون إلهام السيسي فرعونيًا، لكن حكمه يُذكرنا بحلقات أقل روعة من التاريخ الحديث؛ إذ تشبه مشاريعه الضخمة الباهظة، مثل العاصمة الإدارية الجديدة، تلك الخاصة بالخديوي البغيض في القرن التاسع عشر إسماعيل باشا، الذي شارك بالمثل في أعمال بناء واسعة النطاق، واقترض بكثافة من دائنين أجانب ونتيجة لذلك خُلع بعد انتفاضة شعبية. 

ولفت الكاتب إلى أن السيسي يرغب في محو القرنين التاسع عشر والعشرين - المرتبطين بالسياسة الثورية، والمعركة من أجل الديمقراطية. وبدلًا من ذلك، تعبر الدولة عن رؤية شمولية ضارية للجنرالات من خلال تذكر الثقافة القديمة التي كان فيها الملوك آلهة.

غضب ومقاومة

ونوَّه الكاتب إلى أنه ورغم العنف الذي يواجهه الناشطون في مصر باستمرار، كان هناك غضب كبير وحتى مقاومة بطولية لهدم مدينة الموتى. وتحدى العشرات من طلاب الفنون الأوامر العسكرية وقاموا بمسيرة إلى المنطقة لتوثيق عمليات الهدم الوشيكة، واعتقلت السلطات عديدًا منهم. وقد استقال خمسة من أعضاء المجلس المعينين لفحص الدمار – وهي ورقة التوت التي أنشأتها الحكومة ردًا على الغضب الشعبي – بصوت عالٍ على الرغم من الضغوط الحكومية الكبيرة للبقاء في مناصبهم.

وتفاقم غضب القاهريون بسبب صمت المنظمات العالمية، التي يشعر الكثيرون أنها تخلت عنها. مدينة الموتى هي جزء من القاهرة التاريخية، موقع تراث عالمي وهكذا تحت الحماية القانونية للأمم المتحدة التي صادقت عليها مصر.

ويشعر النشطاء أن اليونسكو، المنظمة الثقافية للأمم المتحدة، يجب على الأقل أن تدق أجراس الإنذار بشأن الضرر الجاري الذي لا رجعة فيه. وأطلق خالد العناني، وزير الآثار والسياحة المصري السابق الذي أشرف على شطب الكثير من الآثار التاريخية، حملة لتولي منصب مدير عام لليونسكو. ويمثل هدم مدينة الموتى وصمة في سجل العناني، ويجب أن لا ينال هذا المنصب.

ويرى الكاتب أن هجوم مصر على التاريخ والمنازل هجوم خطير على قوى مثل الولايات المتحدة التي تعتمد على مصر في الاستقرار الإقليمي. وإذا لم يكن هناك شيء آخر، فإن عمليات الإخلاء الجماعي يمكن أن تزعزع استقرار أمة تتأرجح على شفا الإفلاس. ولن يزداد عدم الاستقرار هذا إلا من خلال مشاريع السيسي الضخمة الكارثية بيئيًا: تتطلب العاصمة الإدارية الجديدة تحويل كميات هائلة من المياه إلى الصحراء تمامًا كما يهدد صب الخرسانة على الحدائق الخضراء لمدينة الموتى آخر المساحات الخضراء المتبقية في القاهرة.

ويقول حسين إنه وفي ضوء أن محو قبر والدته يبدو وشيكًا، فإنه يواجه خيارًا لا يحسد عليه؛ إما نقل رفات والدته وأسلافه إلى مكان جديد أو الإصرار على رفض نقلهم، والمخاطرة بسحق جرافة لجثة والدته، لافتًا إلى أن مأزقه، ومئات العائلات في وضعه الحالي، هو رمز للتجريد الذي لا يوصف من الإنسانية التي يعاني منها المصريون في ظل المجلس العسكري.

وبالنظر إلى الثمن الفادح الذي دفعه الكثير من المصريين للتحدث علانية ضد سياساته، فإن عاصمة السيسي الجديدة الجذابة، إذا اكتملت، ستكون مدينتنا القادمة للموتى، التي بنيت على عظام المحرومين وأولئك الذين قتلهم النظام.

الموضوع التالي ميدل إيست أي: اختفاء والدة السجين السياسي محمد حمدي
الموضوع السابقبلومبرج: مصر تدعو إلى الانتخابات الرئاسية في ديسمبر مع تصاعد المشاكل الاقتصادية