إسرائيل هيوم: العاصمة المصرية الجديدة تثير الإعجاب وكذلك الانتقادات
في حين تثير العاصمة الجديدة الإعجاب بسبب ميزاتها عالية التقنية وطموحاتها الكبيرة، لا يزال هناك عدم يقين بشأن عدد الوظائف الحكومية والمواطنين الذين سينتقلون في النهاية من القاهرة. كما تجري مناقشة بشأن جدوى وهدف وجود عاصمتين وطنيتين كبيرتين قريبتين من بعضهما البعض.
سافر مراسل صحيفة إسرائيل هيوم، إلداد بيك، إلى العاصمة الإدارية الجديدة في مصر والتي بنيت بتكلفة تبلغ عشرات المليارات من الدولارات وأعدَّ تقريرًا عنها.
يشير الكاتب في مستهل تقريره إلى أنه كان من الصعوبة بمكان تخيل أن مصر لديها عاصمة جديدة، لافتًا إلى حبه لمدينة القاهرة بكل ما فيها من صخب وفوضى وتاريخ وشوارع واحياء ومقابر.
تطور مستمر
ولفت الكاتب إلى زياراته المختلفة والمتكررة إلى القارهة منذ سنوات ورؤيته إلى مصر وهي تطور بنيتها التحتية؛ جسور وطرق جديدة ومساحات خضراء ومدن جديدة.
وقال إن القاهرة في ظل حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي أصبحت أكثر أمانًا. وكان هو الشخص الذي أمر بإزالة الأحياء الفقيرة المروعة في قلب المدينة، وفي مكانها شيدت الفنادق والمتاجر والأبراج السكنية.
وأوضح الكاتب أن من المفترض رسميًا أن تساعد العاصمة الإدارية الجديدة في حل أزمة الإسكان. وهي مدينة واحدة فقط من بين 15 مدينة جديدة تخطط مصر لبنائها.
بدأت مصر في نقل الوزارات والموظفين الحكوميين إلى عاصمتها الإدارية الجديدة الواقعة على بعد حوالي 45 كم شرق القاهرة. وتهدف المدينة الجديدة إلى تخفيف ضغوط الاكتظاظ السكاني على القاهرة.
وتُبنى العاصمة الجديدة من الصفر في الصحراء وتكلف مرحلتها الأولى حوالي 45 مليار دولار. ومن المقرر أن تستضيف نحو 6.5 مليون من السكان والعمال في منطقة أكبر من القاهرة.
وقال الكاتب إن العاصمة الجديدة تهدف إلى استخدام مبادئ التخطيط الحضري الحديثة والتكنولوجيات المتقدمة. وتشمل الميزات المساحات الخضراء والشوارع الواسعة والمباني الذكية المترابطة بقطار فائق السرعة. ومع ذلك، يجادل بعض النقاد بأنه سيكون من الصعب على معظم المصريين الإقامة هناك بالفعل بسبب التكلفة العالية لمساكنها.
وتطرق الكاتب إلى بناء السيسي لمدينة العلمين الجديدة على الساحل الشمالي والتي تخطط مصر لكي تكون مدينة سياحية ضخمة، وقد أصبحت كذلك بالفعل مع إقامة عديد من المهرجانات والفعاليات السياحية فيها.
وإلى جانب الفعاليات الترفيهية، وضع السيسي العلمين الجديدة على الخريطة السياسية، عندما عقد سلسلة من اللقاءات السياسية المهمة في قصره الجديد بالمدينة، مع قادة الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسلطة الفلسطينية. ، بالإضافة إلى قمة ثلاثية مع العاهل الأردني الملك عبد الله ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.
ويعد القصر أحد قصور السيسي الصيفية، وكانت التكلفة العالية لبنائه ولا تزال موضع انتقادات عامة. ومع ذلك، فإن العاصمة الجديدة هي المشروع الرائد في خطط الرئيس المصري الطموحة للتنمية.
بدون اسم
واوضح الكاتب أن العاصمة الجديد لم يُستقر على اسم نهائي لها بعد وتجري نقاشات حول الأسماء المقترحة، مشيرًا إلى المسابقة التي طرحت في عام 2019 لاختيار اسم للعاصمة الجديدة والتي لم يعلن عن نتائجها بعد، وعدَّد الكاتب بعض الأسماء المقترحة مثل الاسم الفرعوني كيميت والمستقبل والسلام ومصر واقترح البعض تسميتها السيسي.
أكبر من سنغافورة
ومع ذلك، وحسب ما يضيف الكاتب، لا تزال هناك عديدًا من الأسئلة حول البناء الطموح وتكلفته الباهظة. وتقدر التكلفة حاليا بنحو 60 مليار دولار. ويتساءل النقاد عما إذا كانت مصر - الغارقة في أزمة اقتصادية عميقة وديون كبيرة - قادرة على تحمل مثل هذا الإنفاق الباهظ أم أنه سيكون من الأفضل توجيه الأموال إلى مكان آخر.
ولفت الكاتب إلى التساؤلات المطروحة حول قدرة العاملين في العاصمة من متوسطي الدخل على السكن فيها أو الانتقال منها وإليها كل يوم.
ويتساءل الكاتب: ما الذي يقف وراء نقل العاصمة حقًا؟ هل هو الرغبة في تخفيف الضغط على القاهرة بسبب تزايد عدد سكانها أو السماح بإعادة تأهيلها، أم الرغبة في تأمين المراكز الحساسة للحكومة ضد انتفاضة شعبية أخرى محتملة؟
ومع ذلك، توصف العاصمة الجديدة بأنها ستساعد في تعزيز وتنويع الإمكانات الاقتصادية لمصر من خلال خلق المزيد من الفرص للحياة والعمل والسفر.
ووفقا لشركة التطوير الحضري بالعاصمة الإدارية، ستغطي العاصمة مساحة 725 كيلومترا مربعا (279 ميلا مربعا)، وهي أكبر قليلا من سنغافورة، وأربعة أضعاف مساحة واشنطن العاصمة، وستة أضعاف حجم القدس. وسيجري تخصيص 490 كيلومترًا مربعًا منها (189 ميلًا مربعًا) للتنمية. ومن المتوقع أن تستوعب العاصمة الجديدة 6.5 مليون نسمة في 21 منطقة سكنية. وستخلق 1,750,000 فرصة عمل دائمة وستضم 650 كيلومترًا من الطرق ومطارًا حديثًا.
وستكون مدينة ذكية مبنية على رؤية استراتيجية، مع البنى التحتية التكنولوجية الأكثر تقدما لتقديم الخدمات للسكان الذين سيعيشون فيها وللمواطنين والزوار الذين سيأتون لزيارتها.
موسوعة حينيس
واستعرض الكاتب عددًا من المباني في العاصمة الجددية التي دخلت موسوعة جينيس للأرقام القياسية العالمية أو تلك المنشأت الضخمة على مستوى المنطقة، مثل مسجد الفتاح العليم، ثاني أكبر مسجد في مصر والذي بني على مساحة إجمالية قدرها 450 ألف متر مربع ويتسع لـ 17 ألف مصلٍ كحد أقصى. وبني المسجد بالرخام وبه قبة كبيرة في وسط المسجد – وهي الأكبر في أفريقيا– بارتفاع 44 مترًا ووزنها 5000 طن. ومحاطة بـ 20 قبة أصغر. وتتدلى من القبة ثريا كريستالية ضخمة إلى داخل المسجد.
وكذلك هناك مسجد الحضارة الإسلامية، وهو الاكبر في مصر والأكبر في أفريقيا وواحد من أكبر المساجد في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي بأكمله. ويضم المسجد أثقل ثريا في العالم (50 طنًا) وأكبر منبر (22 مترًا) في العالم، وقد أدرج بالفعل في موسوعة جينيس للأرقام القياسية العالمية.
رسميا، بلغت تكلفة بناء المسجد 800 مليون جنيه مصري (26 مليون دولار). وحتى هذا العمل الرائع، الذي كان يهدف إلى إبراز مكانة مصر كمركز ديني إسلامي للعالم، أثار انتقادات شديدة.
ويقول منتقدو الرئيس إننا لا نحتاج إلى مساجد فاخرة في وقت لا يملك عامة الناس المال لشراء ما يسدون به رمقهم.
كما يطل المسجد على كاتدرائية المهد، أكبر مبنى كنسي في الشرق الأوسط، والمصمم لخدمة أبناء الطائفة القبطية الأرثوذكسية.
ويقول الكاتب إن الجزء الأكثر إثارة للإعجاب في العاصمة الجديدة هو منطقة المكاتب الحكومية بمبانيها التي تذكرنا بالمعابد الفرعونية، والتي يتميز بعضها بمظاهر من أيام مصر القديمة. بالقرب من ساحة الشعب، في وسطها سيرفع أعلى علم في العالم (201.95 متر ).
ومن بين عشرات ناطحات السحاب قيد الإنشاء، يقف البرج الأيقوني، الذي يتكون من 77 طابقا ويبلغ ارتفاعه 393.8 مترا، وهو أطول مبنى في أفريقيا..
ويرى الكاتب أن تطوير العاصمة الجديدة هو واحد من عديد من مشاريع البنية التحتية الضخمة التي بدأها السيسي. ومع ذلك، يتساءل البعض عما إذا كان من الممكن إنفاق الموارد بشكل أفضل على الأولويات الاجتماعية والاقتصادية مثل الرعاية الصحية والتعليم.
وفي حين تثير العاصمة الجديدة الإعجاب بسبب ميزاتها عالية التقنية وطموحاتها واسعة النطاق، لا يزال هناك عدم يقين بشأن عدد الوظائف الحكومية والمواطنين الذين سينتقلون في النهاية من القاهرة. كما تجري مناقشة حول جدوى وهدف وجود عاصمتين وطنيتين كبيرتين قريبتين من بعضهما البعض.