الجارديان: كيف خلقت حرب أكتوبر نظامًا جديدًا داخل إسرائيل وخارجها
كان الهجوم المشترك بين مصر وسوريا إيذانًا بديناميكية جديدة حول خطوط الصدع في الشرق الأوسط والتي كان لها تداعيات كبيرة داخل إسرائيل وخارجها، وفق ما يخلص تقرير لصحيفة الجارديان.
كتب بيتر بومونت تقريرًا نشرته صحيفة الجارديان البريطانية يتناول كيف خلقت حرب أكتوبر نظامًا جديدًا داخل إسرائيل وخارجها.
يستهل الكاتب تقريره بالإشارة إلى أن عالم السياسة الأمريكي الألماني المولد دانكوارت روستو كتب في عام 1974، بعد عام من انتهاء حرب أكتوبر، دراسة تنظر في تداعيات الصراع نشرتها مجلة فورين بوليسي. ورغم إشارته إلى أن «الجبهات» العربية الإسرائيلية في الصراع الأوسع لم تكن نشطة، لفت إلى التأثير الهائل والمستمر للحرب، ليس أقلها التداعيات المستمرة لحظر النفط الذي تفرضه أوبك - ما يسمى بـ «سلاح النفط» الذي كان يستهدفه منتجو النفط العرب على مؤيدي إسرائيل، بما في ذلك الولايات المتحدة، مما تسبب في صدمة للاقتصاد العالمي.
وقدر روستو أن تأثيرها انتشر كالنار في لالهشيم ليؤدي إلى تفاقم جميع المشاكل السابقة للاقتصاد العالمي... ونشر تموجات حرب النفط التي تجتاح العالم بأسره.
ديناميكية جديدة
وأوضحت الصحيفة أنه وفي الذكرى الخمسين للحرب، لا تزال تموجاتها محسوسة حتى اليوم. ورغم أن الحرب نفسها استمرت أقل من ثلاثة أسابيع، إلا أن العواقب لا تزال عميقة. ورغم أن الحظر الذي فرضته منظمة أوبك أصبح الآن في أذهان الجميع، فإن هذه الخطوة كانت في حد ذاتها ردًا على إعادة تموضع استراتيجي كبير للدعم الأميركي لإسرائيل في عهد الرئيس ريتشارد نيكسون في خضم الصراع. ومن شأن القضيتين مجتمعتين أن تخلقا ديناميكية دولية جديدة حول خطوط الصدع في الشرق الأوسط.
كان الحظر النفطي الذي فرضته منظمة أوبك، والذي أُعلن عنه في 20 أكتوبر، بعد أسبوعين من الحرب، بمثابة رد مباشر على الجسر الجوي للأسلحة والمعدات العسكرية الأخرى. بالنسبة لواشنطن، فإن ذلك سيمثل بداية عملية توازن دبلوماسي مستمرة حتى يومنا هذا: تقييم التزام جديد بضمان أمن إسرائيل في مواجهة أي تهديد وجودي مقابل ضرورة الحفاظ على علاقات جيدة مع الممالك العربية المنتجة للنفط، والسعودية. العربية في مقدمتهم.
ومن الآن فصاعدا، لن تتمتع إسرائيل بضمانة أمريكية لأمنها فحسب، بل بالتفوق العسكري من حيث التكنولوجيا إذا لزم الأمر. لكن ما لم يتمكن روستو وآخرون من رؤيته، على هذا القرب من الأحداث، هو كيف ستنتهي مقامرة الرئيس المصري أنور السادات الكبرى بشن هجوم مفاجئ على جبهتين مع سوريا على إسرائيل.
وفي غضون أربع سنوات، كان السادات سيزور القدس لإلقاء كلمة أمام البرلمان الإسرائيلي، وبعد عام سيوقع على معاهدة كامب ديفيد للسلام التي ترسخ نهاية الحرب بين البلدين - والتي لا تزال أهم معاهدة لإسرائيل مع دولة عربية.
وإذا لم يسير القتال في حد ذاته بالطريقة التي أرادها السادات، فإن النتيجة في نهاية المطاف كانت إلى حد كبير كما خطط لها: صراع دام مع إسرائيل وقطع شوط نحو محو إذلال هزيمة الجيوش العربية في حرب الأيام الستة عام 1967، بينما الدفع لإشراك واشنطون في تسوية تفاوضية من شأنها أن تشهد عودة شبه جزيرة سيناء إلى القاهرة.
نقاط تحول
ولفت الكاتب إلى أن الحرب ستشكل لإسرائيل أيضًا سلسلة من نقاط التحول المهمة. وكانت المظاهرات التي أعقبت نهاية الحرب بمثابة صدع بين عديد من الإسرائيليين والمؤسسة السياسية التي هيمنت على البلاد منذ تأسيسها.
وسيكون الإسرائيليون ووسائل إعلامهم - كما لاحظ السفير الإسرائيلي السابق لدى المملكة المتحدة مارك ريجيف - بعد ذلك أكثر تشككًا في مؤسساتهم السياسية. وفي غضون عام واحد، كانت رئيسة الوزراء غولدا مئير خارج منصبها.
ومن بين جيل جديد من السياسيين الذين ظهروا في أعقاب الحرب مباشرة، كان آرييل شارون - الذي كرَّمه الإسرائيليون باعتباره بطلًا بسبب أفعاله خلال الحرب - والذي كان أحد مؤسسي حزب الليكود الجديد الذي تأسس قبل أسابيع قليلة من اندلاع الحرب والذي أصبح فيما بعد رئيسًا للوزراء. والمستفيد الآخر هو إسحاق رابين، الذي برو لاحقًا بوصفه رئيسًا لحزب العمل ووافق على اتفاقيات أوسلو للسلام مع الفلسطينيين.
ولعل الأمر الأكثر إثارة للاهتمام هو الإرث الذي لم يكن واضحًا دائمًا خلال العقود الأخيرة من عمليات صنع السلام الفاشلة. وقد وصفها قبل عامين آرون جاكوب، النائب السابق للممثل الإسرائيلي الدائم لدى الأمم المتحدة. وأشار جاكوب، الذي خدم على الجبهة المصرية أثناء الصراع، إلى أن معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل تقدم دليلًا دامغًا على أن الصراع العربي الإسرائيلي ليس لعبة محصلتها صفر.
إن خسائر أحد الجانبين يمكن أن تؤدي إلى خسائر للجانب الآخر أيضًا، تمامًا كما يمكن أن تؤدي مكاسب أحد الطرفين إلى مكاسب للطرف الآخر، وفق ما يختم الكاتب.