ذا ناشيونال: عودة مصر كقوة إقليمية تحمل مخاطر وتخفي تحديات في الداخل
بدت علامات على تزايد المعارضة والتدهور السريع للاقتصاد المصري خلف بريق الدبلوماسية عالية المخاطر، وفق ما يخلص تقرير لموقع ذا ناشيونال.
نشر موقع ذا ناشيونال تقريرًا أعدَّه حمزة هنداوي يسلط الضوء على التحديات الداخلية المحيطة بعودة مصر لعب دورها الإقليمي.
وقال الكاتب إن الأزمة في غزة دور أعادت مصر باعتبارها واحدة من القوى الرئيسة في المنطقة إلى دائرة الضوء مرة أخرى، إذ تسعى الحكومات جاهدة لوقف انتشار الصراع في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
واحتفلت مصر بحماس بعودتها الدبلوماسية، وانخرطت في اجتماعات مكثفة رفيعة المستوى مع كبار المسؤولين من القوى الإقليمية والعالمية، وأعلنت للجمهور العالمي وجهات نظرها بشأن الحرب، التي دخلت الآن أسبوعها الثالث، وعواقبها المحتملة.
توازن صعب
لكن القاهرة تواجه توازنًا صعبًا، وفقًا للكاتب.
ويحذر المحللون من أن الدبلوماسية عالية المخاطر التي تنخرط فيها مصر لا يمكن أن تخفي الخوف من تداعيات الحرب المدمرة التي تدور رحاها بلا هوادة على عتبة بابها. وفي الوقت الراهن، دفعت الأزمة في غزة الاقتصاد الذي يتدهور بسرعة إلى الخلفية، وتزايد المشاعر المعادية للغرب، وعلامات المعارضة المثيرة للقلق.
أصبحت القاهرة مؤخرًا العاصمة التي يقصدها العشرات من القادة والمسؤولين الغربيين. وقد طاروا إلى المدينة أو أجروا محادثات هاتفية مع القادة المصريين للاستفادة من خبراتهم وعلاقاتهم مع الجماعات الفلسطينية المسلحة في غزة لضمان إطلاق سراح أكثر من 200 رهينة لدى حماس.
لقد أصبح معبر رفح الحدودي مع غزة في شمال شبه جزيرة سيناء محط أنظار العالم، حيث تتولى مصر المهمة الصعبة المتمثلة في ترتيب وإرسال المساعدات الإنسانية إلى غزة، في حين يرفض الإسرائيليون السماح بوقف قصفهم المدمر.
ويقول مسؤولون مصريون إن بعض المتصلين الأجانب بالقاهرة نقلوا طلبا إسرائيليا بأن توفر مصر ملاذًا آمنًا مؤقتًا للفلسطينيين في سيناء بينما تواصل عمليتها العسكرية، التي تحذر من أنها ستقضي على حماس.
ووفقاً للمسؤولين، جرى تحسين الطلب في بعض الحالات من خلال وعود بالإعفاء من الديون والاستثمار المباشر الكبير.
وقد رفضت مصر العروض بسخط على الرغم من حاجتها الماسة للمساعدة في إنعاش اقتصادها المتعثر. وتعتقد أن أي فلسطيني تعرض عليه منزلًا مؤقتًا لن يسمح له أبدًا بالعودة إلى غزة.
ضغوط هائلة
ولفت الكاتب إلى أن مصر تؤكد أنه إذا حدث نزوح جماعي للفلسطينيين من غزة إلى سيناء، فإن ذلك سيساهم في ما تعتقد أنه مخطط لتصفية القضية الفلسطينية.
وقال أحد المسؤولين إن مصر تتعامل مع قضية خطيرة للغاية وتتعرض لضغوط هائلة في وقت حساس للغاية بسبب الحالة الاقتصادية الرهيبة.
وأضاف أن رفض مصر تلبية رغبة إسرائيل أدى إلى بعض التراشقات الساخنة وغير الدبلوماسية مع بعض هؤلاء المتصلين الغربيين، دون تسمية أي من المشاركين.
ومع ذلك، يقول مايكل حنا، من مجموعة الأزمات الدولية، إن مصر قد لا تكون قادرة على منع الفلسطينيين الفارين من القصف في غزة إلى سيناء إلى أجل غير مسمى.
وقال حنا، مدير برنامج الولايات المتحدة التابع لمجموعة الأزمات الدولية، إن موقف مصر الثابت ضد ترحيل الفلسطينيين يحظى بدعم ومشاركة من معظم الدول العربية.
وأوضح حنا أن مصر لا تريد هذا النوع من العبء يقع على عاتقها، ولكن إذا استمرت الظروف الحالية في غزة ونفذت إسرائيل هجومها البري، فلن يكون هناك مكان يذهب إليه الفلسطينيون باستثناء مصر.
تحديات داخلية
ومن خلال مقاومة الضغوط لفتح الباب أمام الفلسطينيين في غزة، تتجنب مصر غضب الدول العربية والإسلامية، ولكن بغض النظر عن النتيجة، فإن القضية والحرب المجاورة تغذي المشاكل الداخلية، خاصة مع اقتراب الانخابات الرئاسية، بحسب الكاتب.
ورغم أن الرئيس الحالي، عبد الفتاح السيسي، أصبح شبه متأكد من فوزه في الانتخابات، فإن الانتخابات الرئاسية في مصر تثير باستمرار تساؤلات غير مريحة حول الاتجاه الذي تسير إليه البلاد.
في هذه الأثناء، واجهت الدبلوماسية المصرية حرجًا كبيرًا أثار تساؤلات حول كيفية التعامل مع أزمة غزة.
ففي نهاية الأسبوع الماضي، استضافت مصر تجمعًا دوليًا نُظم على عجل على أمل أن يتمكن المشاركون من الدعوة إلى وقف إطلاق النار وإدانة القصف الإسرائيلي لغزة.
كما أرادت مصر من المشاركين الغربيين إدانة ما تعتبره القاهرة عقابًا جماعيًا إسرائيليًا لغزة.
لكن بعض ممثلي الحكومات الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا، رفضوا الموافقة على ذلك. وكانوا يريدون من الاجتماع أن يدعو حماس إلى إطلاق سراح الرهائن وإصدار إدانة لهجمات 7 أكتوبر، وهو الموقف الذي لا يستطيع الزعماء العرب أن يتبنوه دون المخاطرة برد فعل عنيف مزعزع للاستقرار من جانب شعوبهم.
وفي النهاية انتهى الاجتماع دون إصدار بيان نهائي.
ولسوء الحظ أنه في حين هيمنت حرب غزة على العناوين الرئيسة للصحف، كان الاقتصاد المصري المتعثر بالفعل ينزلق بشكل مضطرد نحو الهاوية.
ويتعرض الجنيه المصري، الذي فقد نحو 50 في المائة من قيمته منذ مارس 2022، لضغوط متزايدة، مما يجعل انخفاضًا مؤلمًا آخر في قيمة العملة وارتفاعًا كبيرًا آخر في التضخم أمرًا لا مفر منه.
ويُتداول الجنيه المصري في السوق الموازية هذا الأسبوع بسعر 46 جنيها للدولار، وهو سعر أقل للجنيه بمقدار 15 جنيها من السعر الذي تستخدمه البنوك.
ومما زاد الطين بلة أن وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيفات الائتمانية خفضت الأسبوع الماضي تصنيف مصر إلى المنطقة السلبية، مشيرة إلى التقدم البطيء الذي تحرزه في الإصلاحات النقدية والهيكلية.
وتؤدي الدرجة الجديدة، التي ستزيد من صعوبة وصول البلاد إلى أسواق رأس المال وجمع التمويل عندما ترغب في الاقتراض، إلى تفاقم مشاكلها، بما في ذلك أزمة العملة الأجنبية التي كبحت الواردات وألحقت الضرر بالصناعات المحلية.
وفي الداخل، استفاد النشطاء المؤيدون للديمقراطية ومنتقدو الحكومة إلى أقصى حد من تحرك الحكومة لتخفيف الحظر المفروض منذ عشر سنوات على الاحتجاجات في الشوارع. وقد خرجوا إلى الشوارع يوم الجمعة الماضي، ليس للإعلان عن تفويضهم للرئيس السيسي كما أرادت السلطات، ولكن لترديد شعارات ضد الرئيس المصري وحكومته.
وإلى جانب المعارضة السياسية، تحتاج حكومة السيسي إلى كبح جماح المشاعر المعادية للغرب وإسرائيل، والتي أثارتها في البداية حرب غزة وأذكتها الحكومة نفسها.
وكانت هناك بالفعل حملات مناهضة لفروع سلسلة الوجبات السريعة الأمريكية ماكدونالدز. وهناك أيضًا دعوات متزايدة لمقاطعة البضائع الأمريكية والأوروبية، لكن ليس من الواضح ما إذا كانت تكتسب زخمًا أم لا.