ريسبونسبل ستيت كرافت: كيف تزعزع الحرب الإسرائيلية استقرار القرن الأفريقي
شكَّل هجوم حماس وما تبعه من حرب إسرائيلية بدعم أمريكي على غزة زلزالًا سياسيًا في الشرق الأوسط، والذي ستهز ارتداداته سياسات القرن الأفريقي، مما يسقط هيكل السلام والأمن المترنح بالفعل في المنطقة، وفقًا لمقال نشرته مجلة ريسبونسبل ستيت كرافت.
نشر موقع مجلة «ريسبونسبل ستيت كرافت» التابعة لمعهد كوينسي لفن الحكم الرشيد مقالًا كتبه أليكس دي وال، المدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمي، يستعرض فيه تأثير الحرب قي غزة على استقرار منطقة القرن الأفريقي.
يقول الكاتب في مستهل مقاله إن هجوم حماس وما تبعه من حرب إسرائيلية على غزة بدعم من الولايات المتحدة هو زلزال سياسي في الشرق الأوسط، والذي ستهز ارتداداته سياسات القرن الأفريقي، مما يسقط هيكل السلام والأمن المترنح بالفعل في المنطقة. ومن السابق لأوانه تمييز شكل الأنقاض، لكن يمكننا بالفعل رؤية الاتجاه الذي ستسقط فيه بعض الأعمدة.
وأشار الكاتب إلى أن التأثير الأكثر وضوحًا هو أن الحرب الإسرائيلية الفلسطينية أضفت الشرعية على الاحتجاجات ونشطتها في جميع أنحاء المنطقة الأوسع. وأظهرت حماس أن إسرائيل ليست الدولة التي لا تقهر، وأن فلسطين لن تكون في المقاعد الخلفية بعد الآن. وبات كثيرون في الشارع العربي - والمسلمون على نطاق أوسع – على استعداد الآن للتغاضي عن سجل حماس لأنها تجرأت على الوقوف في وجه إسرائيل وأمريكا وأوروبا.
أعطت جرأة حماس جرعة شجاعة للإسلاميين، مثل حركة الشباب الصومالية. ومع تراجع عملية حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي في الصومال، تظل حركة الشباب تشكل تهديدًا - ومن المرجح أن يشجعها ما حدث على تكثيف عملياتها في كل من الصومال وكينيا المجاورة.
ولفت الكاتب إلى أن الحرب تستحوذ على اهتمام مصر وتُرعب الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي يسير على خط رفيع بين رعاية الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين وقمعها.
أمن البحر الأحمر
ونوّه الكاتب إلى استرايجية البحر الأحمر لإسرائيل، ذلك أنه يمثل أهمية حيوية لتجارتها البحرية عبر ميناء إيلات. ولطالما اعتبرت إسرائيل دول البحر الأحمر الساحلية - الأردن ومصر والمملكة العربية السعودية واليمن والسودان وإريتريا وجيبوتي والصومال - قطعًا في بانوراما حدودها الأمنية الممتدة.
تاريخيا، تشاطرت مصر القلق ذاته. وفي العام الماضي، بلغت عائدات قناة السويس 9.4 مليار دولار - ثالث أكبر عائد للعملات الأجنبية بعد تحويلات المصريين العاملين في دول الخليج والسياحة. ولا يمكن لإسرائيل ولا مصر تحمل تعطيل الأمن البحري من السويس وإيلات إلى خليج عدن.
ويُعد البحر الأحمر كذلك نقطة محورية في مبادرة الحزام والطريق الصينية، مع تشكيل ما يعتبر أول قاعدة عسكرية خارجية للصين - بالمعنى الدقيق للكلمة - في ميناء جيبوتي بالقرب من باب المندب، المضائق الضيقة بين خليج عدن و البحر الأحمر. ويُنقل أكثر من 10 في المائة من التجارة البحرية العالمية على 25000 سفينة عبر هذه المضائق كل عام.
وعاد تركيز السعودية على أهمية البحر الأحمر الاستراتيجية بعد أعوام من الإهمال وتركه ساحة لإيران. ومن جانبها، تسير الإمارات العربية المتحدة على الطريق الصحيح لتأمين احتكار موانئ خليج عدن، الذي يشكل الطرق الشرقية للبحر الأحمر. وقد ضمت بحكم الأمر الواقع جزيرة سقطرى اليمنية إلى قاعدة بحرية.
كل هذه العوامل تكثف التدافع لتأمين القواعد البحرية في البحر الأحمر وخليج عدن. وتستضيف جيبوتي بالفعل معسكر ليمونير الأمريكي إلى جانب المرافق الفرنسية والإيطالية واليابانية والصينية. وتبحث تركيا وروسيا بنشاط عن قواعد أيضًا، مع التركيز على بورتسودان والساحل الطويل لإريتريا.
دول الخليج المتمكنة
ولفت الكاتب إلى أن دول شرق أوسطية أصبحت قبل الأزمة الأخيرة بوقت طويل تهيمن على القرن الأفريقي. وقد تكثفت هذه العملية الآن. وأدت عقود من المنافسة بين السعودية وإيران على الانحياز للسودان وإريتريا إلى تأرجح المسارات.
أبرم الجنرال السوداني عبد الفتاح البرهان، الشريك السياسي السابق لبنيامين نتنياهو والموقع على اتفاق أبراهام، اتفاقًا في توقيت سيء مع إيران في أوائل أكتوبر، للحصول على أسلحة، مما أحرج تواصله مع مصر والسعودية. وفي الآونة الأخيرة، اشتبكت طموحات تركيا وقطر الإقليمية مع الرياض وأبو ظبي، خاصة بشأن جماعة الإخوان المسلمين. وظهرت في الأونة الأخيرة المنافسة الاحدث الناشئة بين السعودية والإمارات العربية المتحدة.
ونوَّه الكاتب إلى ما وصفه بموقف الإمارات المنضبط من إدانة إسرائيل وتمييزها بين السياسة والاقتصاد وعدم تاثر علاقاتها الاقتصادية مع إسرائيل بما يحدث، لافتًا إلى أن يدها طليقة في القرن الأفريقي، وفي السنوات الخمس الماضية وتحركت بسرعة وحسم أكثر من السعودية.
مصير السودان بين الرياض وأبو ظبي
ولفت الكاتب إلى أنه وبعد اندلاع الحرب في السودان في أبريل، كانت الوساطة السعودية الأمريكية المشتركة في جزء كبير منها هدية من واشنطن لمحاولة إصلاح العلاقات مع المملكة. واستؤنفت المحادثات في جدة في أواخر أكتوبر، مع جدول أعمال متواضع لوقف إطلاق النار ووصول المساعدات الإنسانية، وإيجاد «مسار مدني» شكلي جرى تفويضه إلى الاتحاد الأفريقي، والذي لم يظهر أي التزام أو كفاءة.
في غضون ذلك، يدعم الإماراتيون الجنرال محمد حمدان داغولو «حميدتي»، الذي يطرد القوات المسلحة السودانية حاليًا من مواقعها المتبقية في الخرطوم. وعلى الرغم من الاشمئزاز الواسع النطاق ضد قوات الدعم السريع، خاصة بين السودانيين من الطبقة الوسطى، تمسك الرئيس الإماراتي محمد بن زايد برجله في السودان.
ويتوقع الكاتب أن يصبح حميدتي قريبًا، على أنقاض العاصمة السودانية، في وضع يسمح له بإعلان حكومة، وربما يدعو المدنيين من أجل قشرة من الشرعية. وما يعيقه هو محادثات وقف إطلاق النار في جدة.
في غضون ذلك، يطرح منافسه، الجنرال البرهان، خطة لتشكيل حكومة مقرها في بورتسودان - مما يزيد من احتمالية وجود حكومتين متنافستين، كما هو الحال في ليبيا. وستكون المفاوضات الحقيقية هناك بين الرياض وأبو ظبي. وإذا اتفقت العاصمتان على صيغة، فسوف ترحب الولايات المتحدة والاتحاد الأفريقي، وسيُعرض على السودانيين الأمر الواقع.
إثيوبيا تتحول لدولة مارقة
في إثيوبيا، وحسب ما يضيف الكاتب، يضمن الكنز الإماراتي حكم رئيس الوزراء أبي أحمد. وبحسب التقارير دفع محمد بن زايد ثمن قصر أبي أحمد الجديد الضخم، وهو مشروع تباهي تبلغ تكلفته 10 مليارات دولار دُفعت تكاليفه بالكامل خارج الميزانية. وتتمتع المشاريع العملاقة الأخرى في العاصمة أديس أبابا وما حولها، مثل المتاحف والمتنزهات الجذابة، بتمويل غامض مماثل.
اعتمدت حروب إثيوبيا على السخاء من الإمارات. وانتصرت القوات الفيدرالية الإثيوبية ضد جبهة تيجراي، مما أجبر الأخيرة على الاستسلام قبل عام، بسبب ترسانة - خاصة الطائرات المسيرة - التي قدمتها الإمارات العربية المتحدة. وتطالب إثيوبيا الآن إريتريا بميناء على البحر الأحمر وتحذرها أنها إن لم تقبل فستأخذه بالقوة، وهو أمر ترفضه دول الجوار، ذلك انه امر ينتهك القانون.
النفوذ الامريكي
ويرى الكاتب أن السلام والأمن في القرن الأفريقي ليسا من أولويات إدارة بايدن. وعلى الرغم من الالتزام الخطابي بنظام دولي قائم على القواعد، لم تحم واشنطن هيكل السلام والأمن الأفريقي المبني بشق الأنفس ولم تجلب الأزمتين الإثيوبية والسودانية إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
وفي حين كانت المظلة الأمنية الأمريكية موجودة فوق شبه الجزيرة العربية، فقد أتيحت الفرصة لدول القرن الأفريقي لتطوير نظامها الخاص للسلام والأمن، استنادا إلى هيكل متعدد الأطراف متعدد الطبقات.
وقد تراجع الدور الأمريكي في المنطقة وأصبحت القوى الوسطى في الشرق الأوسط أكثر حزمًا. وأذن الرئيس دونالد ترامب لوسطائه المفضلين - مصر وإسرائيل والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة - بمتابعة مصالحهم عبر القرن الأفريقي. ولم تُغير إدارة بايدن هذا النهج.
من المحتمل أن تهتم الإدارة بالسلام والأمن وحقوق الإنسان في إفريقيا. ولكن طالما أن سياسة القرن الأفريقي للولايات المتحدة يتعامل معها مكتب إفريقيا في وزارة الخارجية، فإن آراء واشنطن ستظل غير ذات صلة.
ويرى الكاتب أن إدارة بايدن لم تُعط بايدن الأولوية للمنطقة، مما أضعف تأثير واشنطن في الأزمة المتفاقمة لصالح قوى وجهات فاعلة أخرى.
ويختم الكاتب قائلًا إن الممارسة الأمريكية الراسخة المتمثلة في معاملة إسرائيل كاستثناء للقانون الدولي تتجاهل حلفاء إسرائيل في جميع أنحاء الشرق الأوسط، الذين يقومون بنشاط بتفكيك الركائز المترنحة بالفعل لنظام السلام والأمن القائم على المعايير في إفريقيا. وبالتالي فإن البلدان الأفريقية الأكثر حاجة إلى تعددية الأطراف القائمة على المبادئ تدفع الثمن.