لماذا ندفع الضرائب؟ - مقال لزياد بهاد الدين

خلاصة

يتساءل الكاتب: لماذا أدفع الضرائب المقررة إن كنت لا أحصل على ما يقابلها من عائد أو خدمات؟.. بالنسبة لمحدودى الدخل، فلا العلاج المجانى كافٍ، ولا التعليم دون مقابل، ولا الدعم بكل صوره متناسب مع غلاء المعيشة. أما للطبقات الأكثر ثراء فهناك استغناء تام عن خدمات الدولة من تعليم وصحة، بل...

الضرائب ليست قدَرًا محتومًا أو عقابًا من السماء، بل تكلفة على المواطنين والشركات يؤدونها سنويًا، كى تسهم الحصيلة الإجمالية فى موارد الدولة. وعلى الدولة بعد ذلك أن تنفق منها فى كل ما هو مطلوب ومفيد: الإنفاق السيادى على الدفاع والأمن.. والإنفاق الرأسمالى على البنية التحتية.. والإنفاق الإدارى على الوزارات والهيئات والمصالح.. والإنفاق الاجتماعى على كل ما يحصل عليه المواطنون من تعليم وصحة ومواصلات ودعم ومعاشات وحماية اجتماعية.

السؤال وجيه ويستحق التعامل معه بجدية.. ولكن مع تقديرى لاعتراض دافعى الضرائب على عدم حصولهم على مقابل ملموس وكافٍ، إلا أن الالتزام على المواطنين والشركات بدفع الضرائب يجب أن يكون دون أى قيد أو شرط، لأنه التزام أساسى وواجب وطنى وحق للمجتمع لا يجوز النزول عنه لأى سبب. ولو تركت الأمور للتقدير الشخصى وما يعتقد كل واحد أنه يحصل عليه من مقابل أو خدمات، لتحول الموضوع إلى فوضى عارمة، ولنضبت موارد الدولة فورًا.

ولكن..

نعم، هناك تحفظات كثيرة على وضعنا الحالى يلزم التطرق إليها ومناقشتها بجدية.

أولها: أن قبول مبدأ دفع الضرائب لا يعنى حظر مناقشتها وتحسين أحوالها بقدر ما علينا واجب دفع الضريبة، كذلك من حقنا فهم مصادر الضرائب، وأسعارها، ونسبة الالتزام بسدادها، ونسب التهرب، وما يجرى حيالها، ومدى تعبير السياسة الضريبية عن السياسات الاقتصادية والاستثمارية والاجتماعية.. كل هذا من حقنا، بل من واجبنا مناقشته، ولكن مع الالتزام بسداد الضريبة، إلى أن تتغير أو يجرى تعديلها.

أما عن جانب الإنفاق، فهو الأكثر خطورة وأهمية. من حق المواطنين دافعى الضرائب أن يشتكوا من عدم الحصول على مقابل ما يدفعونه.. ولكن الحل ليس الامتناع أو التهرب، بل مطالبة الجهات التنفيذية بتوفير الخدمات وتحسينها وتطويرها وإتاحتها للجميع وبمقابل عادل.. هذه أهم مسؤوليات البرلمان والمجالس المحلية (حينما يجرى انتخابها)، والنقابات، والأحزاب، والإعلام.. ولهذا فإن العدالة الضريبية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بمستوى المشاركة السياسية، وديمقراطية التمثيل البرلمانى والمحلى وحرية الإعلام والعمل السياسى، لأنه فى غياب هذه العناصر لا تكون هناك رقابة على الدولة فى تحديد أوجه الإنفاق، ولا شراكة فى صنع القرار، فتأتى أولويات الإنفاق مختلفة عما يحتاجه المجتمع.

ثم دعونا لا ننسى أن إحدى أهم وظائف الضرائب هى تنفيذ سياسة الدولة الاجتماعية، وإعادة توزيع الدخل والثروة لصالح الطبقات الأكثر احتياجًا.. فلا يلزم حصول كل مواطن على مقابل ما يدفعه، بل الأصل أن جزءًا أساسيًا مما يسدده ضريبيًا لن يحصل على مقابله، لأنه سوف يفيد الغير الأكثر احتياجًا أو استحقاقًا.

كذلك فإن الحديث عن الضرائب وإنفاقها لا يمكن أن يغفل ما هو معروف من التباين الكبير فى الالتزام بالسداد بين فئات المجتمع، بل بين أصحاب المهنة الواحدة. وزارة المالية ومصلحة الضرائب تعلنان ما يتم تحقيقه من تقدم فى توسيع قاعدة الالتزام الضريبى.. ولكن هل الوضع الحالى مُرضٍ؟

سداد الضريبة واجب، ولكن مناقشة مصادرها، وأوجه إنفاقها، ومستوى الخدمات العامة التى يحصل عليها المواطنون، والسياسة الاجتماعية التى تعبر عنها، وحجم التهرب الضريبى.. كل هذا جدير بالمناقشة، ويستحق أن يشهد الكثير من التحسن.

أما الاعتقاد بأن مقاومة دفع الضرائب تعبر عن مصالح محدودى الدخول الذين يحاربون الغلاء فى ذات الوقت الذى تطاردهم فيه الدولة بمزيد من الأعباء، فهو فى غير محله. مصلحة الفقراء هى أن يكون هناك التزام فى المجتمع بسداد الضريبة، لأن ضعف الحصيلة يحد من قدرة الدولة على الإنفاق الاجتماعى وعلى إعادة توزيع الدخل. من يُرِد صالح الفقراء، عليه أن يتمسك بمبدأ دفع الضريبة.. وعلى التوازى، يطالب بخدمات جيدة وحماية اجتماعية كافية وغلق أبواب التهرب الضريبى.

الموضوع التالي إشكالية التأويل فى الخطاب الدينى - مقال للدكتور عصام عبدالفتاح
الموضوع السابقمليارات الأوقاف - مقال لحمدي رزق