الجارديان: بينما تخلى العالم عن غزة، لم يتركها أبطالها... الأطباء
يُفاقم تدمير المستشفيات الفلسطينية الصدمة التي تعاني منها الطواقم الطبية الذين يتمثل هدفهم الرئيس في مداواة آلام الناس، وفق ما يخلص تقرير لصحيفة الجارديان
استعرض تقرير نشرته صحيفة الجارديان أعدَّته غادة عقيل الجهود المضنية التي يبذلها أطباء غزة في وقت تخلى العالم عن القطاع وذلك من خلال إلقاء الضوء على بعض من بطولات هولاء الأطباء .
وتلفت الصحيفة إلى أن خطوة واحدة، وقرار واحد يمكن أن يعني الفرق بين الحياة والموت في غزة. وبعد 48 يومًا من الحرب، اتفقت إسرائيل وحماس على هدنة لمدة أربعة أيام. ولكن نظرًا للدمار الهائل الذي لحق بالبنية التحتية المدنية، وخاصة المستشفيات، فإن هذه الراحة لن تكون شيئًا من هذا القبيل لسكان غزة.
وتستشهد الصحيفة بنماذج لجهود الطواقم الطبية بحالة الدكتور يوسف مهدي، وهو طبيب في مستشفى المهدي الخاصة للولادة في مدينة غزة، شمال القطاع.
وتنوه كاتبة التقرير إلى أنها تعرف عائلة مهدي وتحدثت مع أخته عبر الهاتف. وفي 12 نوفمبر، بين الساعات الطويلة والمجهدة التي قضاها في مستشفى الولادة الخاص هذا، قرر أن يأخذ قسطًا من الراحة. وخرج ليدخن سيجارة. وفجأة، أصيب المستشفى بصاروخ. وأصيب الدكتور مهدي لكنه نجا.
وكان داخل المستشفى شقيقاه، الطبيبان أيضًا، باسل ورائد، مع عائلتهما وعديد من المرضى. وكان من الممكن أيضًا أن يكون هناك عديدًا من النازحين الذين لجأوا إلى المستشفيات.
وبحث الدكتور مهدي عن ناجين. ولم يكن من الممكن التعرف على جميع الجثث الموجودة تحت الأنقاض. وكان العشرات من أفراد الأسرة والمرضى والموظفين يرقدون تحت الأنقاض. وقالت شقيقته إنه لم يجد أحدًا على قيد الحياة، فجلس على الأنقاض في حالة صدمة كاملة وانتظر الفجر.
وعددت الكاتبة بعض أسماء عائلة الدكتور مهدي الذي قضوا في قصف المستشفى، مثل الدكتور باسل مهدي، والدكتور رائد مهدي وزوجته إيمان، مع ابنائهم السبعة البالغين والصغار، ومنهم سميرة، طبيبة أسنان وعروس حديثة، ويوسف، الذي أنهى لتوه درجة الماجستير، وأحمد، طالب في كلية الطب، وعامر وعبد الرحمن ومحمد وميرا، وجميعهم من تلاميذ المدارس.
في ذلك الصباح، انطلق الدكتور مهدي في رحلة مع مجموعة نازحة باتجاه الجنوب. وعبروا المسارات مع دبابة. لم يكن لديه سوى معطف الطبيب الأبيض، فخلعه ووضعه على عصا، ولوح به ومشى والدموع تنهمر على وجهه.
وأخبر شقيقته أن الجنود الإسرائيليين أطلقوا النار على المجموعة. وأصيب بعضهم، لكنهم تركوا دون مساعدة في حالة من الفوضى. وفيما يخص الدكتور مهدي، تفاقم وطأة الشعور بالذنب بسبب تدريبه الطبي. واستغرق الأمر خمس ساعات من المشي والركض حتى وصل إلى الجنوب. ولم تسمع عنه كاتبة التقرير أي أخبار منذ ذلك الحين.
وفي منشوره الأخير على فيسبوك، نقل باسل، شقيق الدكتور مهدي، رسالة مؤثرة: «لن يموت أحد قبل أجله. لكن البعض سيموتون وهم يفتقرون إلى الكرامة، ويفتقرون إلى الإنسانية، ويفتقرون إلى المبادئ. عار». في اللغة العربية، اسم باسل يعني الشجاعة. وهذا هو الرجل الذي ارتقى إلى مستوى اسمه من خلال وقوفه شامخًا دائمًا.
هناك طبقة إضافية من الصدمة للمجتمع الطبي الفلسطيني لأن هدف حياتهم هو مداواة ألام الناس. كما هو الحال مع جميع المستشفيات في غزة، توافد المدنيون على مستشفى المهدي بحثًا عن ملجأ.
كان المستشفى عبارة عن هيكل سابق لحالته السابقة، وتحول إلى مبنى مهجور، مجردًا من الأدوية والكهرباء والماء والأكسجين. وقُتل أكثر من 200 من أفراد الطاقم الطبي في مختلف أنحاء غزة.
وتقول الكاتبة إنها، وبسبب عدم قدرتها على فهم عجز العالم، تركز اهتمامها على تخيل الجرحى يموتون في المستشفى بسبب نقص الدواء أو أولئك الذين يُتركون ينزفون حتى الموت، غير قادرين على الوصول إلى المستشفى.
وحتى أولئك الذين يصلون إلى المستشفيات يجدون أن حظهم قد نفد. في كثير من الأحيان، المعدات الوحيدة التي تعمل بها المستشفيات هي أجهزة تنظيم ضربات القلب.
وتتطرق الصحيفة إلى حالات أخرى وجد الأطباء أنفسهم عاجزين عن فعل شيء أمام حجم الدمار الهائل الذي لحق بمستشقياتهم واستهداف طواقمها الطبية كما حدث مع مجمع الشفاء الطبي، اكبر مستشفيات غزة، وغيرها الكثير مما أصاب مستشفيات القطاع.
وتخلص الكاتبة إلى أن تدمير المستشفيات الفلسطينية يفاقم الصدمة التي تعاني منها الطواقم الطبية الذين يتمثل هدفهم الرئيس في مداواة آلام الناس.