كارنيجي: كيف يدعم الاتحاد الأوروبي الاستبداد في مصر؟
يتجاهل الاتحاد الأوروبي افتقار مصر إلى الإصلاحات الديمقراطية لضمان تعاون القاهرة في مجالات أخرى. وهذا النهج قصير النظر يشجع النظام ويضر بالمجتمع المدني المصري، وفق ما يخلص تقرير نشره مركز كارنيجي.
نشر مركز كارنيجي يوروب تقريرًا للباحثين كريستيان أكراينر وميشيل بيس حول الطريقة التي يدعم بها الاتحاد الأوروبي الاستبداد في مصر. طباعة الصفحة
يلفت الباحثان في مستهل التقرير إلى أن المصريين سيعيدون انتخاب عبد الفتاح السيسي رئيسًا لهم في الفترة من 10 إلى 12 ديسمبر. ولا يمكن توقع أي شيء آخر، لأن قبضة نظامه على المجال السياسي والاقتصادي في مصر أصبحت محكمة، وكانت الفترة التي سبقت الانتخابات، كما هو متوقع، غير حرة وغير نزيهة.
وكان السيسي قائدًا للجيش عندما أطاح بالرئيس محمد مرسي، العضو البارز في جماعة الإخوان المسلمين، في انقلاب عسكري عام 2013.
وانتُخب السيسي رئيسًا بعد عام واحد، واليوم أصبحت مصر أكثر استبدادًا مما كانت عليه في عهد حسني مبارك، الذي أُجبر على التنحي خلال ثورة 2011.
وبالتالي، لم يتبق الكثير من الأمل في تحول مصر إلى الديمقراطية. كما لم يتبق الكثير من تعهدات الاتحاد الأوروبي في مرحلة ما بعد الانتفاضات العربية بإنهاء تعاونه غير المشروط إلى حد كبير مع الحكام المستبدين في العالم العربي.
دعم أوروبي
ويوضح الباحثان أن الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء يغضون الطرف مرة أخرى عن افتقار مصر إلى الإصلاحات السياسية في مقابل التعاون في قضايا مثل الطاقة والهجرة والأمن، بين أمور أخرى. فالاستقرار يأتي قبل دعم الإصلاحات. ونتيجة لهذا فإن الاتحاد الأوروبي يُناقض نفسه ويسخر من هدفه المعلن المتمثل في تعزيز الديمقراطية.
ففي مجال الأمن، على سبيل المثال، لم يتمكن مجلس الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي من الاتفاق على فرض حظر كامل وملزم على الأسلحة بعد الانقلاب العسكري. وبدلًا من ذلك، جاء نحو 55% من واردات مصر من الأسلحة في الفترة من 2015 إلى 2022 من فرنسا وألمانيا وإيطاليا.
كما تعاون الاتحاد الأوروبي وأعضاؤه على نحو وثيق مع القاهرة في مكافحة الإرهاب، دون اتخاذ موقف انتقادي تجاه استخدام النظام لوصف الإرهاب لسجن عشرات الآلاف من المعارضين السلميين أو نهجه العسكري المفرط الذي يشمل القتل خارج نطاق القانون والتعذيب. .
علاوة على ذلك، تأمل بروكسل أن تتمكن القاهرة من لعب دور بناء في تخفيف الصراعات الإقليمية، على سبيل المثال في ليبيا. وفي الوقت الحالي، يُظهر النظام المصري مرة أخرى للعالم الغربي أنه أحد اللاعبين القلائل الذين يمكنهم التوسط بين حماس والحكومة الإسرائيلية.
وفي مجال الطاقة، تتودد بروكسل إلى القاهرة عندما تحاول خفض واردات الغاز من روسيا. وفي يونيو 2022، وقعت مصر وإسرائيل والاتحاد الأوروبي مذكرة تفاهم تقوم بموجبها إسرائيل بتصدير الغاز إلى مصر حيث يجري تسييله ثم شحنه إلى الاتحاد الأوروبي.
وذكرت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في هذا السياق أن «مصر شريك حاسم في جهودنا للابتعاد عن الوقود الأحفوري الروسي ونحو موردين أكثر موثوقية». وخلال قمة المناخ كوب 27 التي عقدت في نوفمبر 2022 في شرم الشيخ، أنشأ الاتحاد الأوروبي ومصر شراكة استراتيجية بشأن الطاقة المتجددة.
هناك أيضًا قضية المهاجرين. ويشكل الحد من تدفق المهاجرين الشغل الشاغل لصناع السياسات الأوروبيين. وقبل اجتماع المجلس الأوروبي في أواخر أكتوبر 2023، اقترحت فون دير لاين زيادة الدعم للقاهرة في هذا المجال، ملمحة إلى صفقة يمكن مقارنتها إلى حد ما بالاتفاق الذي وقعه الاتحاد الأوروبي مع تونس في يوليو 2023.
وبحسب التقارير، فإن ذلك يعني نحو 9 مليارات يورو (9.7 مليار دولار) في شكل استثمارات وقروض وتخفيف أعباء الديون لدعم الاقتصاد المصري المتعثر في مقابل السيطرة الفعالة على الحدود. وفي السنوات الأخيرة، وقعت بروكسل والقاهرة اتفاقيات بشأن إدارة الهجرة بقيمة 111 مليون يورو (120 مليون دولار)، والتي تشمل، من بين التزامات أخرى، تسليم زوارق دورية وتدريبات مشتركة.
استراتيجية التخويف
وتطرَّق الباحثان إلى أن القيادة المصرية تقدم نفسها باعتبارها شريكًا لا غنى عنه في مجالات الطاقة والهجرة والأمن. وهي تدرك تمام الإدراك أنها قادرة على خلق الخوف بين صناع السياسات الأوروبيين وتستخدم هذه القضايا لمصلحتها الخاصة.
وقد حذر السيسي باستمرار من سيناريو سوريا أو ليبيا في مصر إذا فقد الجيش السيطرة، ومن العدد الهائل من المهاجرين الذين قد يحاولون مغادرة الدولة الأكثر اكتظاظًا بالسكان في الجوار الجنوبي للاتحاد الأوروبي في حالة عدم الاستقرار. وفي مقابل منع هذا السيناريو، فإنه يتوقع أن يغض الاتحاد الأوروبي الطرف عن الاستبداد الراسخ والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
وقد نجحت استراتيجية القاهرة: فلم يكتف الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء بإعادة تأسيس العلاقات مع مصر بعد فترة قصيرة من التفكير في أعقاب الانقلاب العسكري، ولكن سعوا كذلك إلى تعزيز التعاون معها.
وبالتالي فإن دعم الديمقراطية لا يشكل أولوية في نظر الاتحاد الأوروبي. وهذا يذكرنا بفترة ما قبل عام 2011؛ ومرة أخرى يتبنى الاتحاد الأوروبي نهجًا قصير النظر. ويبدو أن الكتلة لم تتعلم شيء من دروس الماضي.
ومع ذلك، فمن الضروري أن يشرع الاتحاد الأوروبي في رحلة نبذ ما تعلمه قبل أن يتمكن من تعلم كيفية الاستجابة لدعوة الناس إلى الديمقراطية وبالتالي الاستقرار المستدام على نحو أكثر كفاءة.
وبطبيعة الحال، لا أحد يتوقع من الاتحاد الأوروبي أن يحقق تغييرًا ديمقراطيًا من الخارج. ومع ذلك، فإن الجهات الفاعلة المحلية المؤيدة للديمقراطية القليلة المتبقية تأمل ألا يُفاقم الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء عملهم على الأقل من خلال دعم النظام.
وترسل ممارسات الاتحاد الأوروبي الحالية رسائل قاتلة: فالنظام المصري مطمئن إلى أنه قادر على الاستمرار في قمعه غير المسبوق، وخلصت الجهات الفاعلة المحلية في مجال الديمقراطية إلى أنها لا تستطيع الثقة في وعود الاتحاد الأوروبي وخطابه القيمي.
وفي المجمل، يدعم الاتحاد الأوروبي السلطوية بدلًا من التحول الديمقراطي في مصر. ويمكن للسيسي أن يدخل فترة ولايته الثالثة باعتباره الحاكم بلا منازع الذي لا داعي للقلق بشأن المشروطية أو النقد فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان.