أفريكان بيزنس: ماذا ينتظر اقتصاد مصر بعد إعادة انتخاب السيسي ؟
حقق عبد الفتاح السيسي فوزًا سهلًا في انتخابات رئاسية خلت من معارضة جدية، لكن تنتظره خيارات اقتصادية صعبة بينما يشرع في ولايته الثالثة، وفق ما يخلص تقرير نشرته مجلة أفريكان بيزنس.
نشرت مجلة أفريكان بيزنس البريطانية تقريرًا للكاتب هاري كلينش يستعرض التحديات الاقتصادية التي تنتظر المصريين بينما يبدأ السيسي ولايته السيسي.
يقول الكاتب في مستهل تقريره إن خدمة عبد الفتاح السيسي لفترة ولاية ثالثة بصفته رئيسًا لمصر قد يكون لها تداعيات اقتصادية مهمة في وقت تواجه فيه الدولة الأكثر اكتظاظًا بالسكان في شمال إفريقيا تحديات عميقة على جبهات متعددة.
فوز سهل وتحديات صعبة
يلفت الكاتب إلى أن السيسي حصل على 89.6% من الأصوات في إقبال بلغ 66.8%، وفقًا للهيئة الوطنية للانتخابات، في انتخابات ديسمبر التي خلت من معارضة جدية والتي اعتبرها معظم المراقبين أكثر من مجرد إجراء شكلي.
بينما انتقد النقاد إجراء الانتخابات، فإن الاقتصاد، وليس السياسة، هو الذي من المرجح أن يكون التحدي المحدد لولايته الثالثة. وتتفاقم صعوبات القاهرة لبعض الوقت - لأسباب ليس أقلها أن السيسي، الجنرال السابق في الجيش الذي وصل إلى السلطة في عام 2014 بعد انقلاب عسكري ضد الرئيس الإسلامي محمد مرسي، سمح للاقتصاد المصري بالبقاء تحت سيطرة الجيش.
وقد تفاقم هذا الاختيار بسبب القوى الخارجية - عانى الاقتصاد المصري بشدة بشكل خاص خلال جائحة فيروس كورونا، عندما انخفضت عائدات السياحة، التي بلغت أكثر من 30 مليار دولار في عام 2019، بشكل حاد. كما ساهمت هذه الخسارة في التجارة الدولية في انخفاض حاد في تدفقات النقد الأجنبي إلى مصر، مما أدى إلى نقص حاد في الدولار الأمريكي.
كما أدت صعوبات النقد الأجنبي ـ وسط بيئة الاقتصاد الكلي الأوسع نطاقًا والمتمثلة في ارتفاع أسعار الفائدة، وقوة الدولار الأمريكي، وضعف الجنيه المصري ـ إلى جعل خدمة القاهرة لكومة هائلة من الديون المقومة بالدولار أكثر صعوبة وتكلفة.
وبالنظر إلى هذه التحديات، تلقت مصر في ديسمبر 2022 حزمة إنقاذ بقيمة 3 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي من أجل «الحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي وتمهيد الطريق للنمو الشامل والقطاع الخاص». وشملت هذه الإصلاحات تحرير سوق الصرف الأجنبي، الذي انخفض الجنيه المصري في أعقابه إلى أدنى مستوياته القياسية مقابل الدولار.
إصلاحات مستقبلية قاسية
وأوضح الكاتب أن هناك حاجة إلى مزيد من الإصلاحات للأسواق المالية في البلاد لفتح المزيد من أموال صندوق النقد الدولي، لكن السيسي كان مترددًا في الإشراف على خفض آخر لقيمة الجنيه قبل الانتخابات. وهذا بسبب الرمزية السلبية للعملة المتراجعة، وكذلك تأثير خفض قيمة العملة على تكلفة المعيشة. ويجعل ضعف العملة الواردات الأساسية أكثر تكلفة من الناحية المحلية وبالتالي يساهم في ارتفاع التضخم.
لكن مع انتهاء الانتخابات الآن، هل يمكن أن يكون السيسي مستعدًا لاتخاذ الخيارات الصعبة التي يحتاجها الاقتصاد المصري ؟
ونقل الموقع عن نوران الخولي، الخبيرة الاقتصادية في سي أف أي فاينانشيال جروب في القاهرة، أن التحديات الاقتصادية التي تواجهها مصر خطيرة - وربما تزداد سوءًا على المدى القصير.
وتوضح نوران: «بالنظر إلى البيئة الاقتصادية الصعبة في جميع أنحاء العالم بسبب تداعيات الجائحة والتوترات الجيوسياسية، تشهد مصر، مثل نظيراتها، تضخمًا مرتفعًا، وانتشارًا في حالة عدم اليقين الاقتصادي، وارتفاع مستويات الديون، وعجزًا في الحساب الجاري، وتدفقات كبيرة من الاستثمارات إلى الخارج،»، مضيفة أن «كل هذه القضايا تسببت في عجز في العملات الأجنبية، والذي زاد بسبب الاعتماد العالمي للتشديد النقدي».
وتشعر نوران بالقلق من أن الصراع المستمر في غزة، المجاورة لشبه جزيرة سيناء المصرية، قد يضرب صناعة السياحة في مصر، وبالتالي يؤدي إلى تفاقم مشاكل النقد الأجنبي في القاهرة.
وأضافت: «تتوقع وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيف الائتماني انخفاضًا بنسبة 10-30% في عائدات السياحة في مصر، مما قد يكلف البلاد 4-11% من احتياطياتها من النقد الأجنبي ويؤدي إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي، والذي يساهم فيه قطاع السياحة بشكل كبير».
ونتيجة لذلك، تعتقد أن إحدى الأولويات الاقتصادية للسيسي في أعقاب الانتخابات ستكون «تسهيل الحوار في غزة لإخماد نيران الصراع». وأشار الرئيس إلى التوتر خلال خطاب ألقاه بعد تأكيد فوزه في الانتخابات، واصفًا التصويت بأنه رفض لـ «الحرب اللاإنسانية».
ومع ذلك، حتى لو حُلَّ الصراع في غزة بسرعة ولم تتأثر عائدات السياحة بالقدر الذي يخشاه عديد من المحللين، فمن الواضح أن مصر بحاجة إلى إصلاحات أكثر جوهرية - لتلبية مطالب صندوق النقد الدولي ودائنيه الدوليين، ووضع القاهرة على طريق الاستقرار المالي طويل الأجل.
وعلى الرغم من ذلك، تعتقد نوران أنه من السابق لأوانه أن يفكر السيسي في مزيد من خفض قيمة الجنيه المصري أو المزيد من إجراءات تحرير السوق. وتقول إن «الحكومة المصرية قد لا تكون مستعدة للسماح للجنيه المصري بالتعويم على الفور - ربما يفضلون إجراء تخفيض تدريجي لقيمة العملة لأن الأولوية الرئيسة الآن هي كبح معدل التضخم واستعادة استقرار الأسعار».
وتضيف أن «التخفيض التدريجي لقيمة العملة سيساعد في جذب المستثمرين الأجانب، مما يساعد بدوره على تقليل نقص العملات الأجنبية في مصر».
البحث عن الدائنين
وبسبب هذا التردد جزئيًا، قد تبحث مصر عن دائنين آخرين يرغبون في إقراض مصر نقدًا بغض النظر عما إذا كانت تقوم بإصلاحات مالية. ويتوقع الخولي أن يتطلع السيسي إلى «تنويع أدوات التمويل المصرية بخلاف الحصول على قروض مباشرة من الوكالات الدولية، مثل الاستفادة من الصكوك الإسلامية [السندات المتوافقة مع الشريعة]».
وفي حين أن هذا قد يزيد من مخاطر تحمل مصر لمزيد من الديون، دون الإصلاحات المصاحبة التي تصر عليها المنظمات الدولية مثل صندوق النقد الدولي، تعتقد نوارن الخولي أن السيسي يدرك مع ذلك الحاجة إلى «إصلاحات هيكلية لاقتصاد مستدام».
وتشير إلى أن «الحكومة تعمل على تحسين إنتاجية البلاد من خلال تعزيز طرق النقل، وتعزيز التحول الرقمي والإنتاج الأخضر، والتركيز على المنتجات والخدمات ذات القيمة المضافة».
وعلى الرغم من أن مصر تواجه عديدًا من التحديات الاقتصادية الخطيرة، إلا أن عديدًا من المستثمرين الدوليين واثقون من أن الآفاق طويلة الأجل للبلاد يمكن أن تكون مشرقة - إذا تمكنت الحكومة في نهاية المطاف من تجاوز القضايا التي تعرضوا لها.
وقال تشارلي روبرتسون، رئيس الإستراتيجية الكلية في أف أي أم بارتنرز في لندن، إن مديري المحافظ يمكنهم الشعور بوجود فرص في العملة المصرية وأسواق الدخل الثابت إذا التزمت الحكومة بخفض قيمة الجنيه المصري مرة أخرى. في وقت سابق من هذا العام، سجلت سوق الأسهم المصرية مستويات قياسية.
تفاؤل طويل الأمد
في غضون ذلك، أعرب عديد من المستثمرين والمحللين عن تفاؤلهم بأن الدولة القريبة جغرافيًا من الأسواق الخليجية الغنية بالنفط، مع عدد كبير ومتزايد من الشباب، بالإضافة إلى البنية التحتية الجيدة، يمكن أن تظهر كمركز مهم للتصنيع والإنتاج.
وتشارك نوران هذا التفاؤل رغم الصعوبات التي تواجهها البلاد حاليا.
وتقول: «أدخلت الحكومة المصرية عديدًا من الإصلاحات والمبادرات لجذب المزيد من المستثمرين إلى الاقتصاد، وهي تنجح».
وأضافت أن عام 2023 انتهى بملاحظة إيجابية لمصر، إذ بلغ معدل التضخم الأساسي السنوي 35.9% في نوفمبر 2023، انخفاضًا من 38.1% في أكتوبر. ومن المتوقع أن ينخفض إلى 27.4% في عام 2024. حقق سوق الأسهم المصرية أداءً جيدًا تاريخيًا خلال الشهر الماضي.
ومع بدء السيسي فترة ولايته الثالثة في المنصب، يأمل المصريون أن تتمكن الحكومة أخيرًا من حل القضايا الهيكلية قصيرة الأجل في البلاد - وبالتالي إطلاق عصر النمو السريع والمستدام.