فاينانشيال تايمز: حافة الهاوية تلوح في الأفق في الشرق الأوسط
تتزايد المخاوف من التصعيد الإقليمي وانزلاق منطقة الشرق الأوسط إلى الهاوية مع عجز الدبلوماسية العالمية عن وقف الصراع بين إسرائيل وفصائل المقاومة، وفق ما يخلص تقرير نشرته صحيفة فاينانشيال تايمز.
نشرت صحيفة فاينانشيال تايمز تقريرًا للكاتب إميل حكايم، مدير الأمن الإقليمي في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية يستعرض مخاطر التصعيد في الشرق الأوسط.
يقول الكاتب في مستهل تقريره إلى أن الحروب في الشرق الأوسط، لا تبقى داخل حدود الدولة. وتتحد المشاعر والمظالم الكامنة، والتدخل الأجنبي، وغياب عملية الأمن الإقليمي، والضعف المستمر للدبلوماسية المحلية لجعل التدهور أكثر احتمالا.
قبل عشرين عامًا، قلب الغزو الغربي للعراق التوازن الإقليمي لصالح إيران، مما حفز حقبة جديدة من الجهادية العابرة للأوطان. وقبل عقد من الزمان، انزلقت سوريا في حرب أهلية مدمرة اجتذبت القوى الكبرى والمقاتلين المتطرفين. وفي الأشهر الماضية، بالإضافة إلى الخسائر البشرية الفلسطينية الهائلة، من المرجح أن تكون التداعيات الإقليمية لحرب غزة المستمرة بالطريقة والفعالية ذاتها.
ولفت الكاتب إلى أن وضع القضية الفلسطينية على جدول الأعمال الإقليمي كان أحد أهداف حماس العديدة عندما بدأت هجومها في إسرائيل في 7 أكتوبر. وبعد أيام فقط، جرى تجنب هجوم إسرائيلي واسع النطاق ضد حزب الله في لبنان بفضل الضغط الأمريكي. ومنذ ذلك الحين، أصبحت سوريا ولبنان واليمن أهدافًا ومنصات إطلاق. والتطور الجيوسياسي الأكثر إثارة للدهشة هو نجاح الحوثيين في تعطيل الحركة البحرية في مضيق باب المندب.
حافة الهاوية
ولفت الكاتب إلى أن الأيام الـ 10 الماضية تُظهر مدى قرب انزلاق المنطقة من حافة الهاوية. ووقعت عمليات إسرائيلية مشتبه بها استهدفت القائد الإيراني الأعلى في سوريا ونائب الزعيم السياسي لحماس في لبنان وعمليات أمريكية استهدفت قائدًا عراقيًا بارزًا. وقد يكون الانزلاق الواضح نحو التدخل بقيادة الولايات المتحدة ضد الحوثيين في اليمن علامة على التسارع.
ونوه الكاتب إلى أنه ورغم حقيقة أن حرب 2006 بين إسرائيل وحزب الله، والاغتيالات الأمريكية والإسرائيلية السابقة لزعماء حماس وحزب الله وإيران الأكثر أهمية لم تؤجج صراعًا أوسع، إلا أن الاختلاف الآن هو السياق والنطاق والإيقاع والتصور. يُقتل المزيد من كبار القادة وتُشن المزيد من الهجمات ذات الأهمية عبر المزيد من المسارح في فترة مضغوطة. وفي غضون ذلك، يستمر الهجوم الإسرائيلي على غزة، مما يثير عداء سكان المنطقة.
ومما لا يثير الدهشة، أن إيران وإسرائيل ستقرران ما إذا كان الصراع سيصبح حربًا شاملة أم أنه سيظل منافسة على النفوذ الإقليمي. وفي حين تخشى طهران من تآكل مصداقيتها وردعها، لا تزال إيران تنظر إلى أهدافها النهائية على أنها أفضل تحقيقًا من خلال تخفيض المواجهة المباشرة المكلفة.
ويعد حزب الله، أقوى شريك لإيران، قوة صلبة في المعركة وذات قدرات صاروخية متقدمة وعمق استراتيجي. والحزب مقيد بعاملين فقط: الخوف والإرهاق داخل المجتمع اللبناني وتفضيل إيران إبقائه باعتباره قوة احتياط لردع إسرائيل والولايات المتحدة في حالة نشوب معركة وجودية في المستقبل.
وبدلًا من ذلك، يستفيد شركاء إيران الإقليميون من الصراع لتعزيز مواقفهم المحلية وتأكيد مقاومتهم للإمبريالية التي يدعمها الغرب. وبدأ العد التنازلي لنهاية الوجود الأمريكي في سوريا والعراق.
أظهرت إسرائيل المصابة بصدمة نفسية قسوة أعلى بكثير مما توقعه المسؤولون الغربيون. وكانت الهزيمة العسكرية لحماس هدفًا قابلًا للتحقيق من خلال عمليات أكثر استهدافًا طويلة الأمد. وبدلًا من ذلك، صاغت إسرائيل أهدافًا أكثر اتساعًا واعتمدت ممارسات عسكرية مشكوك في نجاعتها، وخلقت مأساة إنسانية وزادت من احتمال حدوث فشل استراتيجي. وفي حين تسعى إلى الانتقام، تلعب حماس من أجل الوقت لكسب المعركة السردية.
ومع ذلك، ربما لا يكون الخطر الأكثر إلحاحًا هو الانفجار المفاجئ للعنف في جميع أنحاء المنطقة، ولكن التطبيع البطيء للعالم وإزالة الحساسية تجاه ما يجب أن يكون مستوى مرتفعًا بشكل غير مقبول من العنف والبؤس البشري.
فشل الدبلوماسية العالمية
بعد ثلاثة أشهر من 7 أكتوبر، أصبحت الصورة الدبلوماسية صورة تعمها الفوضى. فشلت مجموعة وزراء الخارجية للدول المسلمة الذين زاروا العواصم الكبرى في خلق الكثير من الجذب الدبلوماسي، إن وجد.
ويبدو أن الجهود المبذولة لتحرير الرهائن الإسرائيليين تفقد قوتها. والأفكار الحسنة النية لما يسمى باليوم التالي لا معنى لها إذا اعتبرت إسرائيل غزة منطقة نشطة للعمليات العسكرية أيا كان من يحكمها ورفضت الانضمام إلى عملية تؤدي إلى قيام دولة فلسطينية.
وفشلت الحكومات المحلية في الاضطلاع بمسؤولياتها، وخير مثال على ذلك التهديد على التجارة البحرية العالمية؛ إذ تخشى المملكة العربية السعودية من أن يؤدي العمل القاسي إلى عرقلة محادثاتها مع الحوثيين. من جانبها لا تفعل مصر، التي تعتمد على عائدات قناة السويس لدعم اقتصادها المتعثر، الكثير لحماية الملاحة البحرية.
ومرة أخرى، يقع على عاتق الولايات المتحدة حشد تحالف دولي - مما سيؤدي حتمًا إلى تفاقم المشاعر المعادية للولايات المتحدة في المنطقة.
تستحق الولايات المتحدة بعض الثناء لمنع الحرب الإقليمية الشاملة حتى الآن. لكنها تبدو مجردة من الأفكار، وغير قادرة على بسط نفوذها وتكافح مع التقلبات الأخلاقية. ويبدو أن مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، هو الوحيد الذي يحدد أهدافًا واضحة لتسوية سلمية. لكن ليس لديه تفويض حقيقي وله نفوذ ضئيل على اللاعبين الأساسيين.
ويرى الكاتب أن الحرب في غزة تذكير بأنه لا يمكن تجميد الصراعات وتجاهلها. وكما أصبح واضحًا بشكل مؤلم في العقود القليلة الماضية، لا يمكن كسب الصراعات في ساحة المعركة فقط. ويجب حلها بشكل عادل، مهما كان ذلك معقدًا ومحبطًا.