جيوبوليتيكال مونيتور: التداعيات الاستراتيجية لزيارة أردوغان على تركيا ومصر

خلاصة

ليس هناك من ينكر أن زيارة الرئيس أردوغان لمصر تمثل إعادة ضبط دبلوماسية وعلامة فارقة في العلاقات الثنائية مع مصر. كما أنها بمثابة إعلان رسمي عن التقدم المحرز في جهود تحسين العلاقات التي بدأت في عام 2021، وسيكون لها تداعيات استراتيجية على البلدين في مجالات عدة.

نشر موقع جيوبوليتيكال مونيتور تقريرًا للكاتب محمد أبو دوح يستعرض فيه التداعيات الاستراتيجية لزيارة الرئيس التركي لمصر على البلدين.

يقول الكاتب في مطلع تقريره إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وصل إلى القاهرة في 14 فبراير في إطار زيارة دولة كبيرة تهدف إلى معالجة التحرك نحو تطبيع العلاقات بين مصر وتركيا، فضلًا عن توسيع العلاقات الثنائية على جبهات متعددة. وتكتسب زيارة أردوغان إلى مصر أهمية لعدة أسباب، بما في ذلك أنها الأولى له منذ ما يقرب من عقد من الزمن.

كما تتزامن الزيارة مع عديد من التطورات الإقليمية والعالمية التي تتطلب من البلدين تنسيق مواقفهما نظرًا لثقلهما الإقليمي والجيوسياسي النسبي. وكذلك هناك مصالح استراتيجية عديدة تربط البلدين معًا على جميع المستويات الاستراتيجية، سواء من الناحية الجيوسياسية أو الاقتصادية.

تحسن تدريجي في العلاقات المصرية التركية

وأضاف الكاتب أن الاتجاه الناشئ نحو التقارب كان واضحًا على مدى السنوات الثلاث الماضية، وقد ظهرت النتائج الملموسة في مناسبات عدة، مثل عندما أعلنت الدولتان في 4 يوليو 2023 أنهما سترفعان علاقاتهما الدبلوماسية إلى مرتبة السفير. بالإضافة إلى ذلك، جرت محادثات مباشرة بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في 10 سبتمبر 2023، على هامش قمة مجموعة العشرين في نيودلهي، وأسفرت في النهاية عن زيارة الرئيس التركي الحالية إلى القاهرة.

ووفقًا لنمط السياسة الخارجية الذي يتجاوز الاختلافات في التعامل مع الأزمات الإنسانية والكوارث، يُعتقد أن دبلوماسية الكوارث أعطت العلاقات المصرية التركية دفعة في الأشهر الأخيرة. وقد تجلى ذلك في اتصال الرئيس السيسي بالرئيس أردوغان عقب زلزال 9 فبراير 2023، والذي أعرب فيه عن تضامنه مع تركيا حكومة وشعبًا. وفي وقت لاحق، في أعقاب الزلزال، زار وزير الخارجية المصري سامح شكري مدينة مرسين التركية في فبراير 2023 لإظهار دعمه وتعاطفه. وفي مارس 2023، قام وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو بزيارة متابعة إلى القاهرة.

لقد استغرق الأمر بعض الوقت حتى تتمكن مصر وتركيا من إصلاح علاقاتهما المتضررة. وفي هذا الصدد، كانت الرسائل التركية أساسية. ومن الجدير بالذكر التحرك الذي اتخذه وزير الخارجية التركي الراحل مولود جاويش أوغلو في مارس 2021، والذي أعلن أن المحادثات لا تزال مفتوحة بين البلدين على الرغم من الخلافات السياسية السابقة. وبعد بضعة أشهر، وافق البرلمان التركي على خطة لإنشاء مجموعة صداقة تشريعية. وبعد ذلك، ولمعالجة هذه القضايا ومناقشتها، عقد الطرفان ما أسمته وسائل الإعلام «جلسات نقاش استكشافية». وعقدت هذه الاجتماعات مرتين في عام 2021، الأولى في مايو والثانية في سبتمبر. وكان موضوع المحادثات اللاحقة هو التطورات الإقليمية بالإضافة إلى المصالح والاستراتيجيات المشتركة المرتبطة بها لتعزيزها.

وبالنظر إلى أن مسار الجانبين نحو المصالحة منذ عام 2021 اتسم «بوتيرة بطيئة» نسبيًا، فإن فعالية التقارب المستمر بين مصر وتركيا سيكون على المحك.

ومع ذلك، فإن كل تفاعل حدث بين الجانبين خلال هذه الفترة يعبر بوضوح عن التصميم على استعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة بنجاح. وفي ضوء النفوذ الكبير الذي يتمتع به البلدان على المنطقة، فقد ركزت المناقشات المباشرة بينهما خلال السنوات القليلة الماضية على تطوير التوافق بما يتناسب مع أهداف البلدين. ويبدو أن هذا مهم لكلا الجانبين، خاصة بالنظر إلى التطورات السريعة الأخيرة في الشرق الأوسط وأفريقيا والمتعلقة بصراعات الهيمنة والمنافسة بين القوى الإقليمية والعالمية، والتي أجبرت مصر وتركيا على إعادة تقييم استراتيجيتهما والتوصل إلى تفاهم. .

محاور التعاون

وبالنظر إلى التقدم المحرز في استعادة العلاقات وتسهيل الحوار المباشر، فإن زيارة أردوغان إلى القاهرة تمثل فرصة فريدة لمناقشة المصالح المشتركة مع الرئيس المصري، وفقًا للكاتب.

وتناولت المناقشات موضوعات مهمة، بما في ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، تطوير التعاون في مجال الغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط، وتعزيز العلاقات الثنائية في مختلف المجالات، ومعالجة الأوضاع في غزة وليبيا والسودان وأفريقيا على نطاق أوسع.

وكان الملف الفلسطيني والوضع الراهن في غزة محور المباحثات بين الرئيسين المصري والتركي. ويرجع ذلك إلى الحملة العسكرية الإسرائيلية المطولة، التي دخلت الآن شهرها الخامس، وإلى الأزمة الإنسانية المتفاقمة. كما أن هناك توقعًا لهجوم إسرائيلي على رفح في أي لحظة.

وأضاف الكاتب أن الوضع في غزة يساهم في التوترات في جميع أنحاء المنطقة، لا سيما بسبب تصرفات الجماعات الوكيلة المدعومة من إيران مثل الحوثيين في اليمن. ولهذه المجموعات تأثير كبير على أمن السفن التجارية التي تمر عبر البحر الأحمر، والذي بدوره يؤثر على حركة المرور في قناة السويس. ونتيجة لذلك، شهدت إيرادات مصر من العملة الأجنبية من القناة انخفاضًا كبيرًا. ويمثل استعادة الاستقرار الإقليمي وتحقيق حل سلمي بين فلسطين وإسرائيل إحدى الأولويات الرئيسة لكلا الزعيمين.

وبالمثل، أتاحت المحادثات بين الرئيس السيسي والرئيس أردوغان فرصة للتوصل إلى تفاهمات مشتركة بشأن الصراع المستمر في ليبيا، والذي استمر منذ ما يقرب من عشر سنوات، مما يطرح إمكانية التوصل إلى حل مثمر للتحديات المستمرة هناك، مثل الانتهاء بنجاح من الانتخابات وتسريح الميليشيات سلميًا، مما يمهد الطريق لمزايا اقتصادية محتملة للشركات المصرية والتركية في مشاريع إعادة الإعمار اللاحقة.

كما يوفر الحوار المصري التركي فرصة لكلا الطرفين لاستكشاف استراتيجية أكثر تأثيرًا لمعالجة الصراعات المستمرة في أفريقيا، وخاصة في السودان، حيث استمرت الحرب الأهلية منذ ما يقرب من عام. ومن المهم الإشارة إلى أن تركيا لديها مصالح كبيرة في إنشاء قاعدة بحرية في السودان بالقرب من البحر الأحمر.

ويُنظر إلى هذه الخطوة على أنها قد تتعارض مع مخاوف الأمن القومي المصري. وبالتوازي مع ذلك، تعمل تركيا على توسيع نفوذها في الصومال. لكن التهديد الإثيوبي المتمثل في إنشاء قاعدة بحرية وتأجير ميناء بربرة عبر ما يسمى بـ «جمهورية أرض الصومال» الانفصالية، قوبل بمعارضة من كل من مصر وتركيا. وبالنظر إلى الوضع، فإن توافق المواقف الاستراتيجية المصرية والتركية يمكن أن تعزز فعالية التصدي للتهديد الإثيوبي، خاصة وأن الصومال تستضيف أكبر قاعدة عسكرية أجنبية تركية.

وقد فتح التعاون في قطاع الطاقة والحضور المشترك في منطقة شرق البحر المتوسط فرصًا كبيرة لتعزيز العلاقات المصرية التركية. وبالنظر إلى اعتماد تركيا الكبير على واردات الطاقة، هناك إمكانية للتعاون الاستراتيجي مع مصر من خلال منتدى غاز شرق المتوسط.

ومن الممكن أن يكون هذا بمثابة منصة قيمة لتعظيم الفوائد وتخفيف التوترات السياسية بين تركيا واليونان وقبرص. ونظرًا لهذه الظروف، يبدو أن أنقرة تهدف إلى إقامة علاقات أوثق مع مصر من أجل المشاركة في التعاون الإقليمي الذي يتضمن شراكات متعددة.

ومن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى تعطيل المعارضة السياسية لقبول تركيا في منظمة غاز شرق المتوسط. وبالتالي، فإن المصالحة المحتملة بين تركيا ومصر تمثل فرصة قيمة لدول شرق المتوسط للمشاركة في مفاوضات جماعية، مما يمثل علامة فارقة حاسمة في حل نزاعاتهم، وتحديدًا بين تركيا واليونان وقبرص. وبينما تسعى أنقرة للحصول على دعم القاهرة للانضمام إلى منتدى غاز شرق المتوسط، تعرب تركيا أيضًا عن رغبتها في التوقيع على معاهدة ثنائية لترسيم الحدود البحرية مع مصر.

وعلى الصعيد الاقتصادي والصناعة، هناك مصالح مشتركة عديدة يمكن أن تعزز التعاون الاستراتيجي بين مصر وتركيا. ومن الجدير بالذكر أن مصر تحتل مكانة مهمة باعتبارها الشريك التجاري الرئيس لتركيا في أفريقيا. وشهدت التجارة بين تركيا ومصر نموًا كبيرًا، حيث وصل حجمها إلى ما يقرب من 10 مليارات دولار سنويا. وقد أعرب قادة البلدين عن نوايا قوية لزيادة التجارة الثنائية في السنوات المقبلة، بهدف الوصول إلى ما بين 15 إلى 20 مليار دولار. وتكمن إمكانية ازدهار العلاقات المصرية التركية في تعزيز التعاون الاقتصادي وتبني نهج بناء.

وفي السياق نفسه، يلعب قطاعا الدفاع والجيش دورًا مهمًا في التعاون بين تركيا ومصر. ويتجلى ذلك من خلال صفقات الأسلحة المتبادلة ومشاريع الإنتاج العسكري المشتركة. ومن الواضح أن القاعدة العسكرية الصناعية التركية تهدف إلى التعاون الاستراتيجي مع مصر. وفي الآونة الأخيرة، أعلن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أن تركيا ستقوم بتزويد مصر بطائرات مقاتلة مسيرة، مما يدل بشكل أكبر على التقارب المتزايد بين البلدين.

ليس هناك من ينكر أن زيارة الرئيس أردوغان لمصر تمثل إعادة ضبط دبلوماسية وعلامة فارقة في العلاقات الثنائية مع مصر. كما أنها بمثابة إعلان رسمي عن التقدم المحرز في جهود تحسين العلاقات التي بدأت في عام 2021. وأكد الرئيس السيسي أن فصلًا جديدًا في العلاقات المصرية التركية قد بدأ، مع خطط الرئيس السيسي لزيارة تركيا في أبريل. ومع ذلك، يبقى أن نرى كيف ستؤثر هذه الزيارة على توافق المصالح بين مصر وتركيا، فضلًا عن التداعيات المحتملة على عدم الاستقرار الإقليمي.

الموضوع التالي الجارديان: المشاكل الاقتصادية في مصر تجتذب الرُحل الرقميون، لكنها تلقي بآخرين في البحر
الموضوع السابقأتلانتك كاونسل: حل لغز الاقتصاد السياسي في مصر.. إنه أكثر من مجرد اقتصاد