الجارديان: المشاكل الاقتصادية في مصر تجتذب الرُحل الرقميون، لكنها تلقي بآخرين في البحر

خلاصة

في حين بات منتجع دهب على البحر الأحمر يجذب الرحل الرقميين، الذين يكسبون بالعملة الأجنبية ويمكنهم العمل في أي مكان، فإن ثلث المصريين يعيشون في فقر ويرون أن الرحلة المحفوفة بالمخاطر إلى أوروبا هي أملهم الوحيد، وفق ما يخلص تقرير نشرته صحيفة الجارديان.

اهتم تقرير نشرته صحيفة الجارديان بتداعيات الأزمة الاقتصادية التي تعانيها مصر سواء على سكانها الذي يبحثون عن مهرب منها إلى الخارج أو المستثمرين من الرُل الرقميين الذين يرون فيها فرصة سانحة.

وقالت الصحيفة البريطانية إن مصر، التي يحدها البحر الأحمر والبحر المتوسط تعد دولة تتمتع بسواحل تمتد لأميال عديدة، وكانت منتجعاتها مفضلة للسياح منذ فترة طويلة. ولكن في بلد حيث كان الانقسام بين الأغنياء والفقراء دائمًا صارخًا، تخلف المشاكل الاقتصادية الأخيرة التي واجهتها مصر تأثيرًا زلزاليًا على المجتمع ــ ولا يظهر ذلك في أي مكان أفضل من ثروات أولئك الذين يشقون طريقهم إلى ساحلي البلاد.

وجهة للرُحل الرقميين

وتلفت الصحيفة إلى أنه وعلى طول خليج العقبة بالبحر الأحمر، أصبحت منطقة صيد الأسماك في دهب، التي كانت هادئة في السابق، ملاذًا لـ الرُحل الرقميين من الشباب الأثرياء. وقد حولت مياهها الفيروزية الدافئة وأجواءها العصرية المدينة الصغيرة إلى منتجع غوص شهير، مما يجعلها الموقع المثالي لأولئك الذين يبحثون عن توازن أكثر مرونة بين العمل والحياة.

وتقول ناتاليا، وهي مواطنة من مولدوفا حفزتها جائحة كوفيد-19 على تغيير نمط حياتها، «لقد وقعت في حب دهب. عندما تكون هنا، تشعر بالانسجام مع الطبيعة».

وتشير الصحيفة إلى أن عدد الرُحل الرقميين شهد ارتفاعًا حادًا خلال فترة الجائحة، عندما قامت جهات العمل بالتحول الاضطراري إلى العمل عن بعد وأُطلق العنان للعمال ذوي الياقات البيضاء فجأة من قيد الحدود الجغرافية. وفي السنوات الفاصلة، أدى ارتفاع الإيجارات وأزمة تكاليف المعيشة في عديد من البلدان إلى إبعاد الشباب، وأصبح تغيير المدن أو حتى البلدان خيارًا أقل تكلفة.

الهروب من الأزمة

وتوضح الصحيفة سعر الصرف في مصر جعلها جذابة للغاية لأي شخص يتعامل بالدولار أو اليورو، وهو ما ينطبق غالبًا على الأجانب الذين يمكنهم التقدم للحصول على تصريح عمل أو السكان الأصليين الذين يعملون مع الشركات الدولية.

لكن ملايين المصريين يعانون في ظل اقتصاد منكوب. ومنذ الغزو الروسي لأوكرانيا، أدت ثلاث تخفيضات متتالية لقيمة العملة في عام 2022 إلى خفض قيمة الجنيه المصري إلى النصف. ورسميا تبلغ قيمة الدولار نحو 30 جنيها مصريا، لكن النقص الحاد في العملة الأجنبية أدى إلى إنعاش سوق موازية مزدهرة، يصل فيها سعر الصرف إلى 60 جنيها مصريا للدولار.

ومع ارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات قياسية تقترب من 30%، انخفضت مستويات معيشة معظم سكان مصر البالغ عددهم 105 ملايين نسمة بشكل حاد، مما دفع الآلاف إلى القيام بالرحلة المحفوفة بالمخاطر إلى أوروبا عن طريق البحر. واعتبارًا من عام 2020، أصبحت الدولة الأكثر اكتظاظًا بالسكان في العالم العربي تاسع أكبر مصدر لطلبات اللجوء إلى الاتحاد الأوروبي.

وفي الوقت نفسه، وجد الرحالة الرقميون الذين يتقاضون أجورهم بالدولار أن هذه الظروف الاقتصادية مثالية للاستمتاع بأشعة الشمس على مدار العام على شواطئها النظيفة. تقول ناتاليا: «لقد كان العام الماضي بمثابة تغيير في قواعد اللعبة. أصبح انقطاع الإنترنت الآن شيئًا من الماضي؛ افتتحت عديد من مساحات العمل المشترك الجديدة».

وتقول: «حتى لو واجهت مشكلات مع شبكة الواي فاي، فإن خدمة الـ4 جي ميسورة التكلفة للغاية، خاصة إذا كنت تدفع بالدولار الأمريكي».

ويقول علي الإدريسي، أستاذ الاقتصاد في الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري: «لا توجد أزمة دون رابحين وخاسرين؛ ومن غير الدقيق الادعاء بأن الجميع يخسرون في أوقات الأزمات».

ويقول إن ما يجب تقييمه هو «ما إذا كانت التأثيرات السلبية على مجموعة ما تفوق التأثيرات الإيجابية على مجموعة أخرى».

وفقًا للبنك الدولي، انزلق ما يقرب من ثلث سكان مصر تحت خط الفقر في عام 2019، ويعيش معظمهم على طول دلتا النيل المكتظة والفقيرة، مع خدمات قليلة.

ويقول الإدريسي إن ضعف الآفاق الاقتصادية دفع المزيد من الناس إلى مغادرة مصر، واختار عديد منهم التغاضي عن عقبات الهجرة غير الشرعية.

في نوفمبر 2022، تغيرت حياة سمير، الذي لا يستخدم اسمه الحقيقي بينما تقوم السلطات الإيطالية بمعالجة طلبه لـ اللجوء. وكان قد سافر من منزله في بلبيس في محافظة الشرقية بدلتا النيل إلى العلمين الجديدة على الساحل الشمالي لمصر لبدء العمل كميكانيكي. وعندما وصل إلى هناك، قيل للشاب البالغ من العمر 24 عامًا أنه لم تعد هناك وظيفة له.

يقول سمير: «لم يكن لدي مكان أذهب إليه». وأخبره أحد أقاربه في إيطاليا أن حافلة تقل مهاجرين محتملين ستغادر الإسكندرية متجهة إلى السلوم، بالقرب من الحدود الليبية. وبعد أن رأى الكثير من الشباب من مدينته يبدأون بداية ناجحة في إيطاليا، كان سمير يفكر في الرحلة لفترة من الوقت وبدا أن المكالمة الهاتفية كانت بمثابة «شريان الحياة».

سافرت الحافلة عبر مسارات جبلية لتجنب نقاط التفتيش في طريقها إلى السلوم. وهناك، دفع للمهربين رسمًا أوليًا قدره 40 ألف جنيه مصري قبل الانضمام إلى مجموعة من الأشخاص، معظمهم من النساء والأطفال.

وتحدث سمير عن رحلته المريرة ومعاناته في السفر عبر ليبيا ثم المخاطر الكبيرة للسفر في القوارب عبر البحر المتوسط إلى أن وصل ليبيا بعد رحلة تكبد فيها كل ضروب المعاناة. وهو واحد من 21753 مصريًا وصلوا إلى أوروبا في عام 2022 - عندما تجاوزت أعداد المصريين الذين وصلوا إلى أوروبا حتى أعداد أولئك القادمين من دول دمرتها الحرب مثل سوريا وأفغانستان.

ويرى الإدريسي أن العوامل الاقتصادية حاسمة في هذا الاتجاه للهجرة. ويعتقد أن الحل يكمن في المقام الأول في «معالجة التضخم واستقرار سعر الصرف». ويقول إنه «عندها فقط سيبدأ السوق في تجربة مستوى معين من التنشيط من شأنه أن يحل عديدًا من مشاكل مصر».

الموضوع التالي تايمز أوف إسرائيل: وزير خارجية الاحتلال يقول إن "إسرائيل" ستنسق مع مصر بشأن اللاجئين الفلسطينيين، ولن تضر بمصالحها
الموضوع السابقجيوبوليتيكال مونيتور: التداعيات الاستراتيجية لزيارة أردوغان على تركيا ومصر