ريسبونسبل ستيت كرافت: هل تعلق مصر اتفاقيات كامب ديفيد؟
يستبعد الخبراء احتمال أن تُقدم مصر على تعليق اتفاقية السلام مع إسرائيل، لكن العواقب المحتملة للتصعيد الحالي تجعل من الصعب تجاهل احتمال من هذا القبيل، وفق ما يخلص تقرير نشرته مجلة ريسبونسبل ستيت كرافت.
نشرت مجلة ريسبونسبل ستيت كرافت التابعة لمعهد كوينسي لفن الحكم الرشيد تقريرًا للكاتب جورجيو كافييرو، الرئيس التنفيذي لشركة استشارات المخاطر الجيوسياسية جلف ستيت أناليتيكس، يتناول احتمال تعليق مصر لمعاهدة السلام مع دولة الاحتلال.
يلفت الكاتب في مستهل تقريره إلى أن مصر، ومنذ أكتوبر، انضمت إلى معظم المجتمع الدولي في الدعوة إلى وقف إطلاق النار في غزة. وبما أن مصر هي الدولة العربية الوحيدة المتاخمة لغزة، فإن المخاطر التي تواجهها القاهرة كبيرة. وكلما طال أمد حرب إسرائيل على القطاع المحاصر، ستصبح التهديدات التي يتعرض لها الاقتصاد المصري والأمن القومي والاستقرار السياسي أكثر خطورة.
تقع مدينة رفح على طول الحدود بين غزة ومصر، وهي مدينة تبلغ مساحتها 25 ميلًا مربعًا وكانت حتى وقت قريب موطنًا لـ 300 ألف فلسطيني. والآن يعيش ما يقرب من 1.4 مليون فلسطيني في رفح بسبب التدمير الغاشم الذي قام به الجيش الإسرائيلي لمدينة غزة وخان يونس وأجزاء أخرى من القطاع. فبعد أن أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن أربع كتائب تابعة لحماس موجودة الآن في رفح، أعلن أن نشر القوات الإسرائيلية في هذه المدينة الفلسطينية ضروري لبلاده حتى تتمكن من هزيمة حماس وسط هذه الحرب. وحتى كتابة هذه السطور، يستعد الجيش الإسرائيلي لشن حملة على رفح.
المخاوف المصرية
ويوضح الكاتب أن القاهرة تخشى من أن تؤدي العمليات العسكرية الإسرائيلية في رفح إلى دخول عدد كبير من الفلسطينيين إلى سيناء. وقال جوزيب بوريل، منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، في 10 فبراير، إن «الهجوم الإسرائيلي على رفح سيؤدي إلى كارثة إنسانية لا توصف وتوترات خطيرة مع مصر».
ولن يؤدي مثل هذا السيناريو إلى تأجيج قدر هائل من التوتر بين القاهرة وتل أبيب فحسب، بل قد يؤدي أيضًا إلى تفاقم التوترات بشدة بين الشعب المصري وحكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي. ومن السهل أن نتصور حدوث تهجير جماعي للفلسطينيين من غزة إلى شبه جزيرة سيناء المصرية، وهو ما قد يرقى في الأساس إلى «النكبة الثانية»، مما يؤدي إلى اضطرابات واسعة النطاق في مصر إذا نظر المصريون على نطاق واسع إلى الحكومة في القاهرة على أنها تلعب دورًا في السماح بتسهيل مثل هذا التطهير العرقي للفلسطينيين في غزة. وإلى جانب الاعتبارات الاقتصادية، يعد هذا أحد الأسباب الرئيسة وراء إعلان القاهرة أن تهجير إسرائيل للفلسطينيين من غزة وإجبارهم على الدخول إلى مصر هو خط أحمر لا ينبغي لتل أبيب تجاوزه.
وينقل الكاتب عن جوزيبي دينتيس، رئيس مكتب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المركز الإيطالي للدراسات الدولية، أن «القلق الأكبر للقاهرة يتعلق بمصير الفلسطينيين في غزة الذين نزحوا قسرًا والذين قد يجدون ملاذًا آمنًا في سيناء. وسوف يُشكل التدفق غير المنضبط للفلسطينيين إلى شبه جزيرة سيناء عبئًا هائلًا على مصر، التي سيتعين عليها إدارة الوضع الإشكالي من وجهة نظر سياسية وأمنية، فضلًا عن اضطرارها إلى أن تبرر لرأيها العام الداخلي فرضًا جاء من الخارج».
وأضاف دينتيس: «ليس من قبيل الصدفة أن القاهرة عززت حدودها مع غزة، وأغلقت معبر رفح، وحذرت إسرائيل من أن أي عمل أحادي ينطوي على نزوح قسري لسكان القطاع إلى الأراضي المصرية يمكن أن يعرض للخطر ليس فقط العلاقات الثنائية، بل أيضًا الشروط المسبقة للسلام والاستقرار المكفولين في اتفاقيات كامب ديفيد».
ويشير الكاتب إلى أن شركة ماكسار تكنولوجيز، وهي شركة تكنولوجيا فضاء مقرها في كولورادو، التقطت في 15 فبراير صورًا بالأقمار الصناعية تظهر بناء مصر لجدار على بعد ميلين تقريبًا غرب الحدود بين مصر وغزة. وفي اليوم التالي، قالت مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان، ومقرها لندن، إن هذا البناء «يهدف إلى إنشاء منطقة مسورة ومعزولة ذات إجراءات أمنية مشددة بالقرب من الحدود مع قطاع غزة، استعدادًا لاستقبال اللاجئين الفلسطينيين في حالة حدوث نزوح جماعي».
تحذيرات جدية أم تهديدات جوفاء
وفي 11 فبراير، قال مسؤولان مصريان ودبلوماسي غربي لوكالة أسوشيتد برس إن القاهرة قد تعلق اتفاقيات كامب ديفيد لعام 1979 إذا قامت القوات الإسرائيلية بتوغل في رفح. وبعد يوم واحد، نفى وزير الخارجية المصري سامح شكري مثل هذه التقارير حول خطط حكومته لتجميد معاهدة السلام مع إسرائيل، لكنه أكد على أن استمرار التزام مصر باتفاق عام 1979 سيعتمد على رد تل أبيب بالمثل.
وينوِّه الكاتب إلى أن تصريحات نتنياهو في أواخر العام الماضي كانت مزعجة للمسؤولين المصريين حول سيطرة الجيش الإسرائيلي على ممر فيلادلفيا لأن مثل هذه الخطوة من جانب إسرائيل ستكون بمثابة خرق لاتفاقيات كامب ديفيد.
وفيما يتعلق بجدية المسؤولين المصريين بشأن احتمال تجميد اتفاق السلام التاريخي، أو أن تلك التصريحات ترقى إلى مستوى التهديدات الجوفاء لأغراض سياسية في الداخل، فضلا عن تحقيق أهداف مصرية معينة تجاه واشنطن وتل أبيب، قال معين رباني، المحلل السياسي والمحرر المشارك لـ«جدلية»، إنه إذا كانت هذه التصريحات من مسؤولين مصريين مجهولين موجهة نحو جمهور محلي لكن القاهرة لم تنفذها، فقد تواجه حكومة السيسي «مشكلة خطيرة محتملة».
ويشكك أحمد عبوده، الزميل المشارك في تشاتام هاوس والزميل غير المقيم في المجلس الأطلسي، في أن تذهب مصر إلى حد تعليق اتفاقيات كامب ديفيد. وأضاف: «في النهاية، من غير المرجح أن تتخذ مصر الخطوة الأولى لإلغاء المعاهدة من جانب واحد».
لكن ما تفعله مصر هو تبني «مواقف استراتيجية خطابية» إذ تستخدم القاهرة «التصعيد الخطابي» وتوجه الرسائل إلى ثلاثة أنواع من الجمهور، حسبما قال عبوده؛ الأول للجمهور المحلي لتقول إن القاهرة تدافع عن المصالح الأمنية الأساسية لمصر وكذلك القضية الفلسطينية. والثاني لواشنطن لتنقل غضب الحكومة المصرية من إدارة بايدن لعدم وقفها الإجراءات الإسرائيلية التي تهدد بتهجير الفلسطينيين إلى سيناء. والثالث لنتنياهو، والجنرالات في قوات الدفاع الإسرائيلية، ومجتمع الاستخبارات الإسرائيلي.
كما استبعد جوردون جراي، سفير الولايات المتحدة السابق في تونس، التقارير الأخيرة بأن القاهرة ستعلق معاهدة السلام مع إسرائيل لثلاثة أسباب رئيسة: «أولًا، لا تسعى مصر إلى مواجهة عسكرية – حتى لو كانت غير مقصودة – مع إسرائيل. ثانيًا، لا تريد مصر المخاطرة بخسارة المساعدات العسكرية الأمريكية (1.3 مليار دولار سنويًا)، والتي منحت كنتيجة مباشرة لاتفاقيات كامب ديفيد. وأخيرًا، في حين أن مصر تمقت الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة، فإنها تشارك إسرائيل وجهات نظرها بشأن التهديد الذي تشكله حماس».
ما الذي سيترتب على تجميد مصر للمعاهدة؟
وعلى الرغم من اعتقاد عديد من الخبراء أن مصر لن تجمد اتفاقات كامب ديفيد، إلا أنه ينبغي النظر في هذا السيناريو المحتمل. هناك أسئلة مهمة يجب طرحها حول ما يمكن أن يؤدي إليه ذلك من حيث التداعيات على مستوى المنطقة، فضلًا عن علاقات القاهرة مع العواصم الغربية. لكن من الصعب التنبؤ بالكيفية التي ستتطور بها الأحداث إذا اتخذت مصر هذه الخطوة لأنه سيكون هناك الكثير من المتغيرات غير المعروفة.
ويمكن لمصر أن تتصرف بطرق مختلفة بعد تعليق معاهدة السلام مع إسرائيل. وتساءل رباني: هل ستعلن ببساطة تعليق معاهدة السلام وتترك الأمر عند هذا الحد أم ستتوقف عن تنفيذ بنود تلك المعاهدة؟
وبغض النظر عن ذلك، فإن أي تجميد من جانب مصر لاتفاقيات كامب ديفيد سيؤدي حتمًا إلى طبقة من عدم الاستقرار في العلاقات المصرية الإسرائيلية لم يسبق لها مثيل منذ إدارة جيمي كارتر، التي جمعت - بمساعدة إيران والمغرب ورومانيا - الرئيس المصري آنذاك أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك مناحيم بيغن معًا في جبال كاتوكتين شمال ولاية ماريلاند للتوقيع على معاهدة السلام في سبتمبر 1978.
ومن المرجح أن يكون رد فعل واشنطن متطرفًا، لا سيما بالنظر إلى مدى أهمية السلام المصري الإسرائيلي في أجندات السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط لمدة نصف قرن تقريبًا بينما نجت من مجموعة من الأزمات الإقليمية، بما في ذلك الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982 وجميع حروب غزة السابقة.
وأكد الكاتب أن الولايات المتحدة ستسعى للانتقام من مصر دون تحميل إسرائيل بأي شكل من الأشكال المسؤولية عن إنتاج هذه الأزمة، وقد توقف واشنطن المساعدات الخارجية لمصر، والتي تعد نتيجة مباشرة لمعاهدة السلام مع إسرائيل. ومن المحتمل أن يعلن الاتحاد الأوروبي أنه يبدأ تحقيقًا في المناهج المدرسية المصرية أو بعض المبادرات الأخرى التي لا معنى لها.
وبصرف النظر عن الكيفية التي تتعامل بها مصر مع علاقتها بإسرائيل، فإن اقتراح المسؤولين في القاهرة بتجميد محتمل لاتفاقيات كامب ديفيد ينبئنا بالكثير عن تأثير حرب غزة على الموقف الدبلوماسي الإسرائيلي في العالم العربي.
ومع انخفاض احتمال انضمام المزيد من الدول العربية إلى اتفاقيات إبراهام في المستقبل المنظور إلى الصفر، فإن السؤال الملح ليس ما هي الحكومة العربية التي قد تكون التالية في التطبيع مع تل أبيب. لقد تحول التركيز إلى أسئلة حول كيفية قيام الدول العربية الموجودة بالفعل في معسكر التطبيع، مثل مصر، بإدارة علاقاتها الرسمية مع إسرائيل في وقت يُنظر فيه على نطاق واسع إلى السلوك الإسرائيلي في غزة على أنه إبادة جماعية في جميع أنحاء العالم العربي والإسلامي.