دويتشه فيله: لماذا تشتري دول الخليج الساحل المصري؟

خلاصة

تحتفي مصر باستثمار إماراتي بقيمة 35 مليار دولار باعتباره نقطة تحول لاقتصاد البلاد المتعثر. لكن يتساءل المشككون حول أسباب إبرام تلك الصفقة في الوقت الحالي، ووفقًا لبعض المحللين فمع استمرار الحرب في غزة والحرب الأهلية في السودان، أصبح استقرار نظام السيسي مصدر قلق بالغ لحلفائه، حتى لو كان ذلك يعني...

نشر موقع دويتشه فيله تقريرًا للكاتبين كاثرين شاير ومحمد فرحان يستعرضان فيه ما وراء رغبة الدول الخليجية في شراء السواحل المصرية.

ويقول الموقع الألماني في مطلع تقريره إن الصفقة الإماراتية وُصفت بأنها «نقطة تحول» في أسوأ أزمة اقتصادية واجهتها مصر منذ عقود. وتعاني البلاد من ديون هائلة وتعاني كذلك من نقص في العملات الأجنبية، الأمر الذي أدى إلى تضخم مدمر وارتفاع الأسعار الذي يجد عديد من المصريين العاديين صعوبة في التعامل معه.

ولكن في الأسبوع الماضي، أعلن القادة المصريون أن دولة الإمارات العربية المتحدة سوف تستثمر 35 مليار دولار (32 مليار يورو) بشكل مباشر في الاقتصاد المصري، وأغلبها من خلال مشروع بناء في رأس الحكمة، شبه جزيرة البحر المتوسط بالقرب من مدينة الإسكندرية. ويُعتقد أنه أكبر استثمار من نوعه في تاريخ مصر.

وقد أودعت بالفعل الدفعة الأولى من الأموال. وجاء معظم هذا المبلغ من الأموال النقدية التي كانت الإمارات العربية المتحدة تحتفظ بها بالفعل في البنك المركزي المصري. ومن المتوقع أن يصل المبلغ الباقي خلال شهرين، بحسب مسؤولين مصريين.

تأثير فوري

ويشير الموقع إلى أن الصفقة والإفراج عن الشريحة الأولى من الأموال من البنك المركزي كان لها تأثير على الفور تقريبًا، مما أدى إلى تحسين الوضع المالي لمصر بطرق مختلفة.

وستسهل الصفقة أيضًا على مصر الوفاء بالشروط التي حددها صندوق النقد الدولي. ووصلت مصر وصندوق النقد الدولي إلى المراحل النهائية من التفاوض على خطة إنقاذ أخرى بمليارات الدولارات، ومن المرجح أن تبلغ قيمتها أكثر من 10 مليارات دولار، لتحقيق استقرار الاقتصاد المصري.

وتتضمن شروط صندوق النقد الدولي للصفقة تخفيض قيمة الجنيه المصري ليواكب سعر الصرف الحقيقي، على عكس السعر الذي حددته الحكومة، ومواصلة خصخصة أصول الدولة. وهذا يعني في الأساس انتزاعها من الجيش المصري القوي وبيعها لمستثمرين من القطاع الخاص.

وهناك تقارير عن صفقة أخرى مماثلة قريبا. ويشير هذا إلى أن المملكة العربية السعودية ستستثمر 15 مليار دولار إضافية في الوجهة السياحية على البحر الأحمر، رأس جميلة.

إنقاذ السيسي

ويلفت التقرير إلى أن الصفقة لم تحظ بموافقة الجميع إذ لم  يتحمس البعض لهذه الصفقة.

ونقل الموقع عن حسام الحملاوي، الباحث والناشط المصري الذي يعيش الآن في ألمانيا ويكتب تقارير إخبارية منتظمة عن السياسة المصرية، قوله إن هذا المشروع الاستثماري هو مجرد جزء من نمط.

وقال الحملاوي: «الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يقترض بطريقة غير خاضعة للسيطرة منذ سنوات، لاستكمال المشاريع العملاقة التي ترضي قراراته الاقتصادية غير العقلانية. وهو يعول دائمًا على حقيقة أن القوى الإقليمية أو الدولية سوف يأتون لإنقاذه بسبب المقولة السيئة السمعة: مصر أكبر من أن تفشل».

وقال تيموثي كالداس، نائب مدير معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط ومقره واشنطن، إن الحكومة المصرية «بددت ضخها المالي السابق بسرعة غير عادية. يشتري ضخ الأموال النقدية ثقة مؤقتة للمستثمرين في مصر. لكن الأمر الأساسي للثقة على المدى الطويل هو الإصلاحات الجادة والإشارة الواضحة من قادة البلاد إلى أنهم يستغلون هذه الفرصة لتغيير المسار. وسوف يتطلب الأمر لعلاج الأزمة الاقتصادية أكثر من مجرد مكاسب غير متوقعة ومنتجع شاطئي جديد فاخر».

وأشار الحملاوي وآخرون أيضًا إلى احتجاجات سكان رأس الحكمة المهددين بالتهجير بمجرد بدء البناء. وسيكون أحد صناديق الاستثمار السيادية في دولة الإمارات العربية المتحدة، شركة أبوظبي القابضة، مسؤولًا عن هذا المشروع، وقال إن العمل سيبدأ في أوائل عام 2025. كما تشكل المعايير البيئية مصدر قلق في هذه المنطقة الساحلية، وفقاً لمنتقدي الخطة.

وفي الوقت الحالي، أصبحت فكرة أن مصر «أكبر من أن يُسمَتفشل» مقنعة بشكل خاص. وتتعرض البلاد لضغوط سياسية واقتصادية بسبب الصراع الدائر في غزة. ويعني القتال هناك خنق مصادر الدخل المهمة لمصر، مثل السياحة والشحن عبر قناة السويس.

ويقول الموقع إن لا أحد يريد أن يرى اضطرابات عامة في مصر بسبب الانهيار الاقتصادي في الوقت الحالي. وكتب المعلق السياسي ماجد مندور في مقاله الذي نشره موقع ميدل إيست أي في وقت سابق من هذا الأسبوع: «مع استمرار الحرب في غزة والحرب الأهلية في السودان، أصبح استقرار نظام السيسي مصدر قلق بالغ لحلفائه، حتى لو كان ذلك يعني السماح له بتجنب الإصلاحات الاقتصادية التي تشتد الحاجة إليها».

دول الخليج تنخرط في «دبلوماسية الإنقاذ»

وفي معرض الإجابة على السؤال المطروح: كيف ترتبط مليارات الإمارات الواردة بالصراع في غزة والاتفاق المحتمل مع صندوق النقد الدولي؟ ينقل الموقع عن حسن الحسن، الخبير في شؤون الشرق الأوسط في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، قوله إن هذه المصادفة «مذهلة إلى حد ما»، ومن المعروف أن الولايات المتحدة، أحد الداعمين الرئيسين لصندوق النقد الدولي، تستخدم الصندوق الدولي لمعاقبة أو مكافأة الحلفاء الأجانب. ومع ذلك، أشار المحلل المقيم في البحرين إلى أن رؤساء صندوق النقد الدولي وكبار المسؤولين المصريين والإماراتيين قالوا جميعًا إن الصفقة البالغة قيمتها 35 مليار دولار لا علاقة لها بأي من ذلك.

لكن الأمر يتعلق بتقليد دام عقودًا من الزمن لانخراط دول الخليج الغنية في ما يسميه الحسن وآخرون بـ «دبلوماسية الإنقاذ».

ويمكن تعريف هذا النوع من الدبلوماسية بأنها «ممارسة توزيع حزم كبيرة من المساعدات المالية أو العينية لإنقاذ الدول التي تواجه أزمات مالية أو اقتصادية وكانت أداة رئيسة للسياسة الخارجية الخليجية منذ أوائل السبعينيات»، وفقًا لـ الحسن وكاميل لونس، باحثة زائرة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، والتي كتبت في ورقة بحثية عام 2023 حول هذا الموضوع.

وقالت لونس: «هذه الصفقات الأخيرة تعكس اتجاهًا أوسع في دبلوماسية الإنقاذ في الخليج. لقد قامت دول الخليج بإنقاذ الاقتصاد المصري منذ الستينيات، وهي الدولة التي حصلت على أكبر حصة من الدعم المباشر للميزانية، بما لا يقل عن 108 مليارات دولار».

في الآونة الأخيرة، اتفقت هي والحسن على أن هذه الممارسة قد تغيرت إلى حد ما.

وأوضح الحسن: «لقد رصدنا رغبة أكبر من جانب دول الخليج للاستفادة من النفوذ الذي اكتسبته من خلال دبلوماسية الإنقاذ لتأمين الوصول التفضيلي إلى الأصول المملوكة للدولة التي يجري خصخصتها».

الصفقات غير شفافة

ويضيف الموقع أن دول الخليج تمتلك الآن شركات مصرية تدير الموانئ، وتعمل في مجال البتروكيماويات وفي قطاعي المال والتجزئة، فضلًا عن سلسلة من الفنادق التاريخية. وقالت لونس إن الصفقات المعلن عنها حديثًا تمثل جانبًا آخر من هذا الأمر.

وقال الحسن إن أحدث صفقة مع الإمارات، وكذلك الصفقة السعودية التي ترددت تقارير عنها، من المحتمل أن تتعلق بكل ما يلي: إنها استثمار جيد لأن دول الخليج تدرك أنها قد لا تستعيد قروضها لمصر أبدًا؛ وهم يعلمون أن مصر أكبر من أن تفشل؛ وهم يدركون أن الصراع في غزة يفرض المزيد من الضغوط عليهم.

لكن هناك بعض الاختلافات المهمة مع هذا الاستثمار الإماراتي الأخير، كما قال الحسن ، ذلك أن هناك المزيد من الأموال على المحك والتوقيت أكثر واقعية، وهو أمر لم يحدث في كثير من الأحيان.

وقال: «يبدو أن التوقيت مؤشر على أن هذا قد يحدث. لكن مرة أخرى، يمكن أن تسوء الأمور، ويمكن أن تتغير أسعار النفط وقد ترى تغيرًا في الرغبة في الاستثمار في الخليج. إنه بالتأكيد إعلان مهم، ولكن طالما أننا لم نر كل تفاصيل الصفقة، فعلينا أن نكون حذرين بشأن مدى احتمالية التوصل إلى الاتفاق الكامل».

الموضوع التالي إن بي أر: آلاف الدولارات تدفع لوسيط مصري للخروج من غزة
الموضوع السابقصالة التحرير يشير لبيع أرض الحزب الوطني لشركة الشعفار الإماراتية بقيمة 5 مليار دولار و860 ألف متر من رأس جميلة للسعودية ويدعي تحسن نظرة التصنيف الائتماني للاقتصاد المصري بحلول يونيو المقبل ويُحمّل الحكومة مسؤولية التصرف في أموال رأس الحكمة