ميدل إيست مونيتور: ما هي التفاصيل الخفية لصفقة رأس الحكمة المصرية الإماراتية؟

خلاصة

تثير صفقة رأس الحكمة الكثير من الأسئلة التي تبحث عن إجابات وسط تفاصيل غامضة مثيرة للريبة، كما أن الإطار الزمني المعلن لتلقي مصر 24 مليار دولار وهو شهرين، أي قبل حوالي عام من بدء المشروع، يخلق شهية لدى البعض للزعم بأن الصفقة سياسية وليست اقتصادية، وأن الشيطان يكمن في التفاصيل...

نشر موقع ميدل إيست مونيتور مقالًا للكاتب محمود حسن يستعرض ما وصفها بالتفاصيل الخفية التي تثير الريبة المتعلقة بصفقة رأس الحكمة.  

ويقول الكاتب إنه ورغم الاحتفاء المصري الرسمي لصفقة رأس الحكمة مع الإمارات، إلا أن الأسئلة تظل قائمة، رغم أن مصر تعول عليها للخروج من أزمتها الاقتصادية الخانقة.

وقد أُبرمت الصفقة قبل أيام قليلة، وتحظى باهتمام كبير. ويُنظر إليها على أنه طوق النجاة الذي يمكن أن يوقف الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار في السوق السوداء، والذي كان قد تجاوز 70 جنيهًا مصريًا. وانخفض السعر الآن إلى أقل من 50 جنيها، مقارنة بـ 30.9 جنيها في السوق الرسمية.

وبحسب تصريحات رسمية، فقد تلقت الحكومة المصرية بالفعل 10 مليارات دولار كجزء من الصفقة، وهي في الأساس حزمة إنقاذ خليجية لنظام الرئيس عبد الفتاح السيسي. النظام مثقل بديون ضخمة، وجدول استحقاق للأقساط وفوائد الدين يبلغ نحو 42.3 مليار دولار خلال 2024، بحسب البنك المركزي المصري.

تناقضات القيمة الحقيقية للصفقة

ويلفت الكاتب إلى أن ما يجعل الصفقة المثيرة للجدل أكثر إثارة للريبة هو التناقضات المتعلقة بقيمتها الفعلية، والتي تقدر بنحو 35 مليار دولار.

وبموجب هذه الصفقة، حصلت شركة أبو ظبي القابضة على حقوق تطوير مشروع كبير في شبه جزيرة رأس الحكمة على ساحل البحر المتوسط في مصر غرب الإسكندرية. وسيقوم المشروع بتطوير مرافق سكنية وتجارية وترفيهية وسياحية ومساحة استثمارية تبلغ مساحتها 170.8 مليون متر مربع.

وتبلغ القيمة الحقيقية للصفقة 24 مليار دولار فقط، وهي قيمة الأرض المخصصة للمشروع، بالإضافة إلى 35 في المئة من الأرباح. أما المبلغ المتبقي البالغ 11 مليار دولار فهو قيمة الودائع الإماراتية المحتفظ بها لدى البنك المركزي المصري. ولن تضطر مصر إلى رد هذا المبلغ بالدولار، إذ سوف تُسد بالجنيه المصري.

أما المسألة الثانية فتتعلق بسعر المتر المتر في واحدة من أجمل المواقع على ساحل البحر المتوسط. ويعادل حوالي 4300 جنيه مصري للمتر المربع (140 دولارًا)، وهو مبلغ زهيد وغير معقول في منطقة سياحية ساحرة ووجهة استثمارية رفيعة المستوى.

وأضاف الكاتب أن العقد الذي أعلنه رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي لم يوضح طبيعة أو طريقة أو موعد حصول الحكومة المصرية على 35 في المئة من أرباح المشروع الذي من المتوقع أن يبدأ مع بداية عام 2025. كما أنه ليس واضحًا ما إذا كانت تلك الأرباح ستكون دفعات لمرة واحدة أم سنوية، وكيف سيجري التحقق من حسابات الشركة ومستويات الأرباح.

بيع أراضي الوطن

وكتب الخبير الاقتصادي ورئيس مجلس إدارة جريدة الأهرام السابق أحمد السيد النجار تحت عنوان «رأس الحكمة: بداية مسلسل بيع أرض الوطن»، أن هذا النوع من الصفقات هي خدعة من حكومة غير كفؤة تبني استراتيجيتها الاقتصادية على بيع أصول الدولة. وبحسب موقع العروبة 22، فقد قارن الصفقة بعقد امتياز قناة السويس في القرن التاسع عشر.

ويتساءل الخبراء عن جدوى وأولوية الاستثمار السياحي والعقاري مقارنة بنظيريهما الزراعي والصناعي. ومصر مشبعة بالفعل بمشروعات عقارية ضخمة ومنتجعات سياحية تضم نحو مليوني مبنى متعدد الشقق، وفقا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

وهناك عاصمة إدارية جديدة شرق القاهرة ما زالت غير جاهزة، وهناك مدينة العلمين الجديدة في الشمال، ناهيك عن تراجع عائدات السياحة بسبب التوتر في غزة والبحر الأحمر، وحقيقة أن مصر استقبلت أقل من 14.9 مليون زائر في عام 2023.

والأكثر إثارة للجدل هو توقيع السيسي على قرار نشر في الجريدة الرسمية العدد 55 لسنة 2024، والذي نص في المادة الأولى على: «تخصيص قطعة أرض من أملاك الدولة الخاصة بمساحة [170,800,000] متر مربع في منطقة محافظة مطروح طبقاً لللوحة وجدول الإحداثيات المرفقين لصالح هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، لاستخدامها في إنشاء مدينة رأس الحكمة الجديدة، ونقلها من الأراضي المملوكة للقوات المسلحة». وهذا يعني أن الأرض المباعة كانت مملوكة للجيش المصري، رغم أنه ليس من الواضح كيف خُصصت للجيش في المقام الأول.

أسئلة عالقة

ويضيف الكاتب أن هناك الكثير من الأسئلة حول هذه الصفقة: هل تتقاضى المؤسسة العسكرية المصرية ثمن الأرض ومن الأرباح؟ أم أن كل شيء سيذهب إلى خزينة الدولة؟ وعلى نطاق أوسع، ما هو حجم وقيمة الأرض التي يملكها الجيش؟ وهذه أسئلة جرى التفكير فيها ولم تُطرح في مصر فيما يتعلق بـ إمبراطورية الجيش الاقتصادية وعدد شركاته وحجم محفظته المالية.

وسبق أن قدر السيسي حجم مشاركة القوات المسلحة في الاقتصاد المصري بما يتراوح بين 1.5 إلى 2 بالمئة. لكن تقديرات غير رسمية تؤكد توسع حصتها لتتجاوز 60 في المئة، منذ الانقلاب العسكري في يوليو 2013. ومنذ ذلك الحين، أصبحت القوات المسلحة تشارك في إنتاج الحديد والأسمنت، وحليب الأطفال، والأدوية، والوجبات المدرسية، فضلًا عن بيع اللحوم والمواد الغذائية والأجهزة الكهربائية وإقامة الفنادق والنوادي ومحطات الوقود.

وبحسب التقديرات الصادرة عن البنك الدولي، هناك 60 شركة تابعة للجيش تعمل في 19 صناعة، من إجمالي 24 شركة مدرجة في جدول تصنيف الصناعة.

مخاوف شعبية

ويقول الكاتب إن الشعب المصري يخشى أن تكون الصفقة ثمنًا مدفوعًا مقابل الترتيبات الجارية بشأن قطاع غزة، وقضية التهجير الفلسطيني، والمماطلة في فتح معبر رفح بشكل دائم. كما أن المصريين يشعرون بالقلق من أن يكون البيع وسيلة لنقل الملكية إلى طرف ثالث، إلى إسرائيل على سبيل المثال، خاصة في ظل غياب الشفافية فيما يتعلق بضمانات عدم بيع ملكية مشروع رأس الحكمة والأصول المصرية الأخرى لأطراف أخرى ولن تُنقل أو تُباع لأطراف ثالثة.

وتمتد الشكوك، بحسب المعارضين، إلى احتمال أن يكون المشروع غطاء لقاعدة بحرية إماراتية على ساحل البحر المتوسط، على اعتبار أن خطط المشروع تتضمن بناء ميناءين بحريين ومطار دولي. وهو ما دفع رئيس الوزراء المصري إلى نفي وجود أي بند في العقد يمس السيادة المصرية.

ومع ذلك، تساءل الكاتب المصري المقيم في الخارج، جمال سلطان، على فيسبوك، لماذا لا تنشر الحكومة العقد ليراه الناس، بدلًا من الاضطرار إلى البقاء في وضع الدفاع، وينفي كل الاتهامات المتعلقة بمضمونه. وتساءل عن الجرائم المحتملة التي يمكن العثور عليها في العقد والتي لا تريد الحكومة أن يراها الناس.

ومما يعزز موقف المعارضة المتشكك في أهداف المشروع وجدواه عدم عرضه على مجلسي النواب والشيوخ في البرلمان المصري. بالإضافة إلى ذلك، لم يُعلن عن الجدول الزمني لتنفيذه، ولا العقوبات في حالة انتهاك الإمارات لشروطه، ناهيك عن عدم الحصول على موافقة سكان المنطقة البالغ عددهم 25 ألف نسمة، والذين لم يحصلوا على تعويض مالي.

وتتكتم الحكومة المصرية بشأن شروط العقد. ولا يزال الإطار القانوني لملكية الأرض غير واضح، أو ما إذا كانت ملكية دائمة أم ملكية بنظام حق الانتفاع. كما أن السعر العادل للمتر الواحد في تلك المنطقة غير معروف، ولا مبلغ التعويض للسكان الذين يرفضون الانتقال.

ولا شك أن وجود الإمارات كطرف ثان في العقد أصبح مصدر قلق كبير لدى المصريين، خاصة مع تسارع وتيرة استحواذ أبو ظبي على أصول مصرية حساسة في عدة قطاعات حيوية، ليس أقلها الشحن، والنقل البحري والخدمات اللوجستية.

ووقع تحالف موانئ أبو ظبي (المنافس الإقليمي لشركة قناة السويس) في وقت سابق اتفاقيات لتنفيذ مشاريع تشمل إدارة وتشغيل الأرصفة ومحطات السفن في موانئ شرم الشيخ، والغردقة والسخنة وسفاجا. ومع إضافة رأس الحكمة إلى قائمة الموانئ الخاضعة للسيطرة الإماراتية، ستربط أبو ظبي موانئ البحر الأحمر والبحر المتوسط، مما يشدد سيطرتها على الموانئ المصرية من جهة، ويخرج قناة السويس من المنافسة مع المنافذ الإماراتية من جهة أخرى.

واستحوذت الإمارات خلال السنوات القليلة الماضية على خمس شركات في مصر، هي أبو قير للأسمدة والصناعات الكيماوية، وشركة مصر لإنتاج الأسمدة «موبكو» (أهم شركتين في قطاع الأسمدة)، بالإضافة إلى شركة الإسكندرية لتداول الحاويات والبضائع. بالإضافة إلى ذلك، استحوذت على حصة في شركة فوري للمدفوعات الإلكترونية، وعديد من الفنادق والمستشفيات الكبرى، واثنتين من أكبر سلاسل المعامل، وهما البرج والمختبر.

ونقل الكاتب عن خبير اقتصادي مصري، شريطة عدم الكشف عن هويته، أن من المحتمل أن يكون مشروع رأس الحكمة قد خُطط له للتنافس مع مشروع نيوم السعودي على البحر الأحمر. أو قد تكون محاولة لعرقلة التقارب بين مصر وتركيا. واستند في ذلك إلى أن المشروع جرى ترسيته مباشرة على جهة إماراتية، دون طرح مناقصة عالمية.

ويختم الكاتب بالقول إن الإطار الزمني المعلن لتلقي مصر 24 مليار دولار هو شهرين، أي قبل حوالي عام من بدء المشروع، وهذا يخلق شهية لدى البعض للادعاء بأن الصفقة سياسية وليست اقتصادية، وأن الشيطان يكمن في التفاصيل وأن الإمارات لديها أهداف أخرى من وراء شراء رأس الحكمة.

الموضوع التالي على مسؤوليتي يرى تعويم الجنيه ضربة كبيرة للسوق السوداء وخطوة فاعلة لمحاربة التضخم ويؤكد أن توقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي أمر يدعو للفخر ويشدد على ضرورة إدارة القطاع الخاص للمطارات المصرية
الموضوع السابقأسوشيتد برس: مصر تقول إن محادثات وقف إطلاق النار في غزة انتهت دون تحقيق انفراجة