سي إن إن: مدينة جديدة تنشأ في مصر. ولكن هل هذا ما تحتاجه البلاد؟
في حين يشيد المسؤولون المصريون بالعاصمة الجديدة باعتبارها إحدى المشاريع الكبرى التي تعزز الاقتصاد المصري، ينتقد البعض التكلفة الكبيرة للمدينة وكونها ليس المشروع الذي يحتاجه المصريون فهلًا.و يرى بعض النقاد أن الدافع الرئيس وراء المدينة الجديدة هو السماح للحكومة بالابتعاد عن الاحتجاجات الكبيرة، مثل تلك التي حدثت في عام 2011...
نشرت شبكة سي إن إن تقريرًا للكاتب نيل لويس يسلط الضوء على العاصمة الإدارية الجديدة التي تبنيها مصر في الصحراء وما إذا كان إنشاء هذه المدينة هو ما تحتاجه مصر فعلًا.
وتقول الشبكة الأمريكية في مستهل تقريرها إن هناك مدينة جديدة آخذة في النشوء في مساحة صحراوية تبعد 30 ميلًا شرق القاهرة. وتفتخر المدينة بأطول برج في أفريقيا وأكبر كاتدرائية في الشرق الأوسط، وهي واحدة من سلسلة من المشاريع الكبرى للرئيس عبد الفتاح السيسي التي تهدف إلى تطوير اقتصاد البلاد.
بدأ إنشاء «العاصمة الإدارية الجديدة» في عام 2016، وتُبنى على مراحل. وقال خالد عباس، رئيس مجلس إدارة شركة العاصمة الإدارية للتنمية العمرانية، الشركة المشرفة على المشروع، إن المرحلة الأولى شارفت على الانتهاء، ومن المتوقع أن تبدأ المرحلة الثانية في الربع الأخير من العام الجاري.
ببطء، ولكن بثبات، بدأت الحياة تتدفق إلى المدينة. وقد انتقلت أكثر من 1500 عائلة إلى المنطقة، بحسب عباس، ويتوقع أن يرتفع هذا العدد إلى 10 آلاف بحلول نهاية عام 2024.
ومع انتقال الوزارات الحكومية إلى المدينة الجديدة، هناك بالفعل حوالي 48 ألف موظف حكومي يعملون هناك، كما يقول عباس، وعديد منهم يتنقلون من شرق القاهرة عبر قطار كهربائي دخل الخدمة في العام الماضي. وفي شهر مارس، مع بدء البرلمان في عقد اجتماعاته من المدينة، وقيام عديد من البنوك والشركات بنقل مقارها إلى هناك، فمن المتوقع أن ينتقل المزيد من الناس إلى المدينة.
ويضيف عباس أنه في نهاية المطاف، «سوف تُدار البلاد بأكملها من داخل العاصمة الجديدة».
تكلفة كبيرة
ويقول عباس إن المرحلة الأولى تكلفت حوالي 500 مليار جنيه مصري (10.6 مليار دولار). وقد قدرت تكلفة المشروع في السابق بحوالي 58 مليار دولار، حيث قالت الحكومة إن المدينة يمولها شركة العاصمة الإدارية للتنمية وعائدات مبيعات الأراضي، على الرغم من أن بعض التقارير تشير إلى أنها تكلف الدولة المليارات.
ويشعر النقاد بالقلق إزاء التكلفة؛ ذلك أن البلاد تمر بفترة من الانكماش الاقتصادي وتتعامل مع الضغوط المتزايدة من الحرب في غزة. وتسعى الحكومة إلى تعزيز الاقتصاد المصري من خلال التمويل الدولي، بما في ذلك من البنك الدولي، الذي أعلن يوم الاثنين أنه سيقدم لمصر أكثر من 6 مليارات دولار على مدى ثلاث سنوات. وفي وقت سابق من هذا الشهر، قال صندوق النقد الدولي إنه سيزيد برنامج قروضه الحالي لمصر من 3 مليارات دولار إلى 8 مليارات دولار، بشرط تنفيذ إصلاحات اقتصادية، بما في ذلك «إطار عمل جديد لإبطاء الإنفاق على البنية التحتية»، للمساعدة في خفض التضخم والحفاظ على القدرة على تحمل الديون.
وقالت شركة العاصمة، المملوكة بنسبة 51% للجيش و49% لوزارة الإسكان، إن تطوير المدينة لن يتأثر بإعلان صندوق النقد الدولي. وفي فبراير، أعلنت الشركة أن دار، وهي شركة معمارية وهندسية عالمية تشارك في المرحلة الأولى من المدينة، قد حصلت على عقد لإنشاء خطة مفصلة للمراحل الثانية والثالثة والرابعة من العاصمة. ويقول عباس إنه من المتوقع أن تبلغ تكلفة المرحلة الثانية حوالي 300 مليار جنيه مصري (6.4 مليار دولار).
مركز تجاري إقليمي
وتضيف الشبكة أن العاصمة الإدارية الجديدة تتمركز حول منطقة مالية حيث سيكون لبعض البنوك والشركات العالمية مقراتها العالمية. في العام الماضي، أعلن أفريكسيم بنك أنه سيستحوذ على أرض في المدينة لإقامة مركز تجاري أفريقي، يضم مقره العالمي، ومركز مؤتمرات، وفندقًا، ومركزًا للابتكار، والذي وصفه بشكل جماعي بأنه «مجمع أعمال شامل» للتجارة البينية الإفريقية. وأعلن كونسورتيوم من الشركات التي لم يذكر اسمها من دولة الإمارات العربية المتحدة وجنوب أفريقيا أنهم سيشكلون مركزًا ماليًا في العاصمة.
ويعتقد عباس أن البنية التحتية الحديثة للمدينة ستجذب الشركات. ويضيف أن نظام الذكاء الاصطناعي سيعمل على تحسين استخدام الكهرباء والغاز والمياه. وستساعد البنية التحتية للألياف الضوئية ونشر شبكات الجيل الخامس على الاتصال، وستكون هناك خدمات أمنية عالية التقنية، مع تركيب الآلاف من كاميرات المراقبة في جميع أنحاء المدينة والتي ستتتبع أيضًا حركة المرور وتنبيه الازدحام والحوادث.
ويقول عباس: «جميع الشركات العالمية الكبرى تبحث عن المدن الذكية والاستدامة. نحن نحاول تسهيل جميع أنواع الخدمات لجعل ممارسة الأعمال التجارية هنا سهلة». ويأمل عباس أن يصبح تصميم المدينة الذكية في مصر «نموذجًا يحتذى به للدول الأخرى في إفريقيا»، مما يساهم في التنمية الاقتصادية في المنطقة على نطاق أوسع.
هل هذا ما يحتاجه المصريون؟
وتنقل الشبكة عن نيكولاس سيمسيك أريس، رئيس قسم التاريخ والنظرية في الجمعية المعمارية في لندن، والذي أجرى بحثًا ميدانيًا مكثفًا في القاهرة، قوله إنه من الممكن أن تجتذب المدينة الجديدة الأعمال التجارية، وخاصة «الشراكات الثنائية رفيعة المستوى» ورأس المال الأجنبي. التي يمكن أن تعزز الاقتصاد. وقال: «ومع ذلك، فإن السؤال الأهم عندما يتعلق الأمر بالفوائد الاقتصادية للدول هو لمن تعود هذه الفوائد، ومن المؤكد تقريبًا أن هذا لن يعود إلا لشريحة صغيرة جدًا من السكان».
ويشير إلى تاريخ القادة المصريين في بناء المدن القريبة من القاهرة كمشروعات تحويلية، مثل «6 أكتوبر» و«القاهرة الجديدة»، تأسست في عامي 1979 و2000 على التوالي. ويقول إن هذه المدن اليوم عبارة عن مجتمعات مسورة بالكامل تقريبًا، وتخدم الطبقات المتوسطة العليا، وغالبًا ما تحتوي على عديد من الوظائف الشاغرة.
ويرى بعض النقاد أن الدافع الرئيس وراء المدينة الجديدة هو السماح للحكومة بالابتعاد عن الاحتجاجات الكبيرة، مثل تلك التي حدثت في عام 2011 حول ميدان التحرير في القاهرة. ويشير سيمشيك آريسي إلى أن التخطيط الحضري للمدينة الجديدة من شأنه أن يجعل المسيرات الحاشدة «مستحيلة فعليًا».
وتلفت الشبكة إلى أن الحجة الأكثر ذكرًا وراء قرار الحكومة بناء عاصمة جديدة هي الحاجة إلى استيعاب العدد المتزايد من سكان مصر وتخفيف الازدحام والتلوث في القاهرة، التي تتمتع بواحدة من أعلى الكثافة السكانية في العالم. ويعيش في القاهرة الكبرى 22 مليون نسمة، أي ما يصل إلى 50 ألف نسمة لكل ميل مربع.
ويقول عباس إن المدينة الجديدة تعد بمزيد من المساحات الخضراء. وبدأت عملية تنسيق الحدائق في حديقة يطلق عليها اسم «النهر الأخضر» والتي ستغطي مساحة تبلغ ضعف مساحة سنترال بارك في مدينة نيويورك، على الرغم من وجود تساؤلات حول كيفية ريها بالنظر إلى طبيعة المكان القاحلة وشح إمدادات المياه في البلاد.
ويعترف سيمشيك آريسي بأن القاهرة مكتظة، لكنه يتساءل عما إذا كان الحل هو بناء مدينة جديدة. ويقول إن «قضية ازدحام القاهرة لا تتعلق فقط بالنمو السكاني الذي لا يمكن السيطرة عليه، بل بقدرة الناس على الوصول إلى سبل العيش الكريم حيثما يأتون».
وأضاف: «هناك الكثير من المساكن القائمة في القاهرة والتي يمكن العمل بها على نحو مثالي، وإذا أنفقت الحكومة ولو جزءًا صغيرًا من هذا الاستثمار على مساعدة المدن الحالية على العمل فعليًا، أعتقد أن مسألة الاكتظاظ ستختفي بسرعة كبيرة».
ويقول عباس إن البنية التحتية القديمة في القاهرة تجاوزت مرحلة التحديث، ورغم أنه لم يقدم أرقامًا مباشرة عن المساكن ذات الأسعار المعقولة التي ستكون متاحة، إلا أنه يصر على أن المدينة الجديدة سوف تلبي احتياجات جميع شرائح المجتمع.
ويقول: «تكلفة المعيشة هنا هي نفسها في المدينة القديمة، ولكن مع اختلاف أنك تعيش في مدينة جديدة، مدينة خضراء ذكية ومستدامة. دورنا هو توفير نوعية حياة جيدة للناس».