مساعي الهند للحد من انتشار الصين تتلاقى مع بحث القاهرة عن مخارج من أزمتها الاقتصادية
في ظل تبني نيودلهي سياسة خارجية نشطة لتعزيز وجودها على المسرح العالمي، وبحث القاهرة عن مخارج من أزمتها الاقتصادية المتفاقمة، يتوقع أن يزداد التعاون بين البلدين لتحقيق مصالحهما المشتركة، وبالأخص في ظل دعم واشنطن لتلك النوعية من الشراكات على حساب الحضور الصيني في الشرق الأوسط.
زيارة رئيس وزراء الهند إلى مصر هي الأولى من نوعها منذ عام 1997، وتأتي ضمن مساعي الهند لطرح نفسها كقطب على المسرح العالمي عبر بناء شراكات استراتيجية مع القوى الفاعلة في منطقة غرب آسيا وأفريقيا، وهو ما دفعها للانخراط في صيغة I2U2 مع الولايات المتحدة و”إسرائيل” والإمارات، وصيغة للتعاون الثلاثي مع فرنسا والإمارات، فضلا عن صيغ تعاون ثنائي مع القوى الإقليمية التي تسعى لتعزيز مصالحها الوطنية والتحوط في علاقاتها الدولية في عصر تنافس القوى العظمى، كما هو الحال في علاقتها مع السعودية، وأخيرا مع مصر.
- وتحظى التوجهات الهندية بدعم واشنطن التي تريد توظيف دور الهند كقوة حليفة في وجه العملاق الصيني، لذا كان من الملفت أن زيارة “مودي” للقاهرة جاءت خلال رحلة عودته من الولايات المتحدة.
- ترى نيودلهي أن مصر تحظى بأهمية في أربع مناطق استراتيجية تشمل البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر وأفريقيا وغرب آسيا، لذا فإن تطوير العلاقات معها يساهم في تعزيز التواجد الهندي في الأسواق الأفريقية والأوروبية، وقد دعا “مودي” “السيسي” لحضور يوم الجمهورية الهندي في يناير/كانون ثاني 2023 بهدف تدشين حقبة جديدة من العلاقات الثنائية، وهو ما أعقب زيارة وزير الدفاع الهندي “راجناث سينغ” إلى القاهرة في سبتمبر/أيلول 2022، وزيارة وزير الخارجية الهندي إلى القاهرة في أكتوبر/تشرين أول 2022، ثم جاءت زيارة “مودي” الأخيرة لتتضمن إعلان الشراكة الاستراتيجية بين البلدين.
- من جانبها تسعى مصر إلى تأمين واردات القمح من الهند في ظل استمرار الحرب في أوكرانيا، كما تحرص على جذب استثمارات هندية إلى المنطقة الصناعية بقناة السويس، واستخدام الأراضي المصرية كمنصة لتصدير البضائع الهندية إلى تركيا وأوروبا وشمال أفريقيا، وهو ما تقوم به حاليا بالفعل المجموعتين الهنـديتين “سنمار للكيماويات” و”أديتا بيرلا” عبر شركتها التابعة “بيرلا كاربون“، فضلا عن الاستفادة من خبرة نيودلهي في مجال الاتصالات والصناعات الدوائية والزراعة والطاقة المتجددة.
- تأتي الهند في المرتبة السابعة بين الشركاء التجاريين لمصر، وقد تؤدي مستهدفات تطوير التبادل التجاري التي أعلنها الجانبان إلى وضع الهند بين أكثر خمس شركاء تجاريين للقاهرة. والأهم من ذلك؛ فإن القاهرة فيما يبدو تسعى للحصول على خط ائتماني من الهند، بحسب وزير التموين المصري علي المصيلحي، وهو ما يعني أن الهند لن تكون مجرد شريك اقتصادي ولكن قد تصبح حليفا اقتصاديا لمصر التي تواجه أزمة اقتصادية. كما أن مناقشات الجانبين، والتي لم تسفر عن شيء بعد، تشمل أيضا التبادل التجاري بالعملات المحلية.
- من جانب عسكري؛ تسعى الهند إلى تغيير وضعها كأحد أكبر مستوردي الأسلحة في العالم بزيادة التصنيع الدفاعي المحلي، والاستفادة من الظرف الذي تمر به الصناعات الدفاعية الروسية عبر التصدير للأسواق الخارجية وتحسين ترتيبها المتواضع، في المرتبة 24، بين أكبر مصدري المواد الدفاعية عالميا. وتمثل مصر سوقا واعدا للأسلحة الهندية في ظل سعي القاهرة لتنويع مصادر وارداتها من الأسلحة. وقد سبق أن ناقش قائد القوات الجوية المصرية الفريق “محمد حلمي”، خلال زيارته للهند في يوليو/تموز 2022، استبدال طائرات “ميراج 5” القديمة التي تمتلكها مصر بـ 70 طائرة مقاتلة خفيفة متعددة المهام من شركة “هندوستان” الهنـدية.
- وفي البعد الأمني؛ لدى نيودلهي والقاهرة تصورا مشتركا تجاه بعض التهديدات الأمنية، مثل صعود حركة طالبان في أفغانستان، والتخوف من تنامي أنشطة الجماعات الإسلامية، ولذا تضمنت مذكرة التفاهم العسكري والأمني الموقعة بين البلدين في سبتمبر/أيلول 2022 شراكة استخباراتية بين جناح البحث والتحليل الهنـدي وجهاز المخابرات العامة المصري، فيما استضافت ولاية راجستان في يناير/كانون ثاني 2023 وحدة مصرية من القوات الخاصة قوامها 180 جنديا لإجراء تدريبات ثنائية مشتركة، كما يجري التنسيق لعقد اجتماع مستقبلي لمجموعة مكافحة الإرهاب المشتركة.
- من زاوية القوة الناعمة، ترى الهند في مصر التي يوجد بها الأزهر الشريف حليفا ضد الاتهامات الموجهة لها باضطهاد المسلمين، وضد التحركات الباكستانية في منظمة التعاون الإسلامي. وقد التقطت نيودلهي إشارة امتناع القاهرة عن الإدلاء بأي تعليقات سلبية ضدها خلال أزمة تصريحات المتحدثة الرسمية باسم حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم، “نوبور شارما”، ضد النبي صلى الله عليه وسلم في عام 2022، فيما حرص “مودي” خلال زيارته للقاهرة على تفقد مسجد بنته طائفة البهرة، وذلك لإيصال رسالة بأنه متسامح تجاه المسلمين.
- في ظل تبني نيودلهي سياسة خارجية نشطة لتعزيز وجودها على المسرح العالمي، وبحث القاهرة عن مخارج من أزمتها الاقتصادية المتفاقمة، يتوقع أن يزداد التعاون بين البلدين لتحقيق مصالحهما المشتركة، وبالأخص في ظل دعم واشنطن لتلك النوعية من الشراكات على حساب الحضور الصيني في الشرق الأوسط، ووجود رصيد من علاقات الصداقة التاريخية بين الجانبين.