جي أي أس ريبورتس: صادرات مصر من الغاز تحت التهديد
تحبط حالة عدم اليقينية بشأن الاستقرار الاجتماعي والسياسي لمصر آمال البلاد في أن تصبح قوة إقليمية لإنتاج الغاز ومركزًا لتصدير الغاز الطبيعي المسال، وفق ما يخلص تقرير نشره موقع جي أي أس ريبورتس.
اهتم موقع جي أي أس ريبورتس المهتم بتقديم النحليلات والتنبؤات الجيوسياسية العالمية في تقرير أعدته كارول نخلة بمستقيل قطاع الطاقة في مصر وتحديدًا صادرات الغاز الطبيعي والتحديدات التي يواجهها القطاع.
تستهل الكاتبة تقريرها بالإشارة إلى أنه من الصعوبة بمكان تخيل أن مصر، التي تحتل حاليًا المرتبة الـ12 في تصدير الغاز الطبيعي المسال في العالم، تعاني من نقص حاد في الوقود المحلي. لكن انقطاع التيار الكهربائي كان هو القاعدة هذا الصيف. وأعلنت الحكومة عن عدة إجراءات لتخفيف الأزمة، بما في ذلك قطع الكهرباء وعمل موظفي الدولة من المنزل في أيام محددة.
وفي حين أن موجات الحر المتكررة في الصيف والطلب المتزايد على التبريد هي المسؤولة عن الأزمة، فإن الأزمة تعكس مشكلة أعمق، وهي القدرة المحدودة في إنتاج الغاز في مصر. وهي تثير تساؤلات حول إمكانات التصدير في البلاد ولها آثار على المشترين في أوروبا وأماكن أخرى.
وما لم تُجرى اكتشافات مهمة جديدة في مصر، وينخفض استهلاكها المحلي من الغاز وتتوافق الأسعار المحلية مع الأسعار في السوق الدولية، فإن مكانة البلاد باعتبارها مُصدرًا رئيسًا للغاز سوف تتعرض للخطر، إلى جانب طموحها في أن تصبح مركزًا إقليميًا للغاز.
الطلب المحلي يتجاوز الإنتاج
ويلفت التقرير إلى أن الغاز الطبيعي يهيمن على مزيج الطاقة الأولية وتوليد الكهرباء في مصر، حيث يمثل 55% و84% على التوالي. ويعد قطاع الطاقة أكبر مستهلك للوقود، إذ يمثل أكثر من 62% من الاستهلاك المحلي.
بين عامي 2002 و 2012، نما الطلب المحلي في مصر بمتوسط سنوي قدره 7.1 في المائة (مقارنة بمتوسط عالمي قدره 2.9 في المائة ومتوسط أفريقي قدره 5.5 في المائة). كان هذا الطلب مدفوعًا في المقام الأول بأسعار الغاز المدعومة والسياسة الحكومية التي شجعت استخدام الغاز في التطبيقات الصناعية وتوليد الطاقة.
وبسبب فشل مصر في الاقتراب من هدفها الطموح للطاقة الخضراء، وفي ضوء التوسع الديموجرافي والاقتصادي المستمر، فإن الطلب المحلي على الغاز من المحتم أن يتسارع مرة أخرى.
بمرور الوقت، أصبحت الطاقة المدعومة ضرورية للعقد الاجتماعي للبلد. في عام 2022، استهلكت مصر 60.7 مليار متر مكعب من الغاز، أي ما يعادل 37.3 في المائة من إجمالي استهلاك الغاز في إفريقيا، مما يجعلها أكبر سوق للغاز في القارة.
عندما لم يتمكن نمو الإنتاج المحلي من تلبية الطلب المحلي، أدخلت الحكومة المصرية إصلاحات في عام 2014 للتخلص التدريجي من دعم الغاز. وفي عام 2016، وافق صندوق النقد الدولي على المساعدة في تمويل الإصلاح من خلال مرفق الصندوق الممتد، وتعهدت مصر بإنهاء دعم الطاقة. ومع ذلك، حتى الآن، لم تتحقق الأسعار القائمة على السوق بالكامل.
الإنتاج: الإمكانات غير المحققة
وتضيف الكاتبة أن مصر، وعلى جانب العرض، هي لاعب في أسواق الغاز. وتمتلك 2.1 تريليون متر مكعب من احتياطيات الغاز المؤكدة، أي ما يعادل 16.3 في المائة من الاحتياطيات المؤكدة في القارة الأفريقية، والتي تصنفها فقط بعد نيجيريا (5.5 تريليون متر مكعب) والجزائر (2.3 تريليون متر مكعب).
تنتج مصر الغاز الطبيعي للاستخدام المنزلي منذ منتصف السبعينيات، وهو ما يلبي احتياجاتها بالكامل. وفي عام 2004، تجاوز إنتاجها من الغاز الاستهلاك، وقامت بتصدير الفائض. واستمر الفائض لمدة عشر سنوات. وبحلول عام 2014، كافحت مصر للحفاظ على نمو الإنتاج وأصبحت مستوردًا صافيًا للغاز. وكان الاستثمار المحدود هو السبب الرئيس، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن الحكومة المصرية كانت متأخرة عن سداد مستحقات شركات النفط والغاز، وجزئيا بسبب عدم الاستقرار السياسي الذي أعقب الثورة المصرية عام 2011 والإطاحة بالرئيس حسني مبارك (1981-2011). وكان إنتاج الغاز في البلاد يتقلص بمعدل سنوي متوسط قدره 14.5% حتى عام 2016، عندما وصل الإنتاج إلى حوالي 40 مليار متر مكعب، أو 33.7% أقل من ذروته في عام 2009.
خطوات في الاتجاه الصحيح
وأشارت الكاتبة إلى أن الحكومة المصرية، ولعكس هذا الاتجاه، منحت تراخيص استكشاف جديدة بشروط أكثر جاذبية للمستثمرين. وهذا الجهد أتى ثماره. في عام 2015، أعلنت شركة إيني الإيطالية عن اكتشاف حقل ظهر، الذي أعاد كتابة ثروات مصر من الغاز. ولا يقتصر الأمر على أن ظهر هو أكبر حقل غاز جرى اكتشافه في منطقة شرق البحر المتوسط، ولكن إيني، مشغلها، نجح في تشغيله في أقل من عامين ونصف من الاكتشاف - وهو وقت قياسي لحقل المياه العميقة بهذا الحجم. وبدأ الإنتاج من حقل ظهر في عام 2017 وعكس تراجع الإنتاج المصري. وفي عام 2022، أنتجت مصر 64.5 مليار متر مكعب، بزيادة 7 في المائة عن ذروتها السابقة وأكثر من ربع إنتاج الغاز في إفريقيا.
وتبع ذلك اكتشافات أخرى، على الرغم من عدم وجود أي منها بالوزن نفسه لحقل ظهر. في ديسمبر 2022، صرح طارق الملا، وزير البترول المصري، أن البلاد تعتزم استثمار 2.1 مليار دولار في التنقيب عن النفط والغاز الطبيعي بحلول عام 2025.
وسيحدد حجم الاكتشافات المحتملة توقعات الإنتاج والصادرات المصرية. وفي غياب المزيد من الاكتشافات الشبيهة بحقل ظهر، من المتوقع أن يبلغ إنتاج مصر من الغاز ذروته بحلول عام 2028 (عند أقل من 80 مليار متر مكعب). في المقابل، لا توجد علامة على ذروة الطلب على الغاز في أي وقت قريب.
الأصول المصرية: البنية التحتية لتصدير الغاز
ونوّهت الكاتبة إلى أن مصر طورت البنية التحتية لتصدير الغاز في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين عندما تجاوز إنتاج الغاز الاستهلاك المحلي. وتمتلك البلاد خط أنابيب تصدير غاز عملي واحد يسمى خط أنابيب الغاز العربي الذي يربطها بالأردن وسوريا ولبنان. ويبلغ عمر خط الأنابيب ما يقرب من عقدين من الزمن وتبلغ سعته السنوية 10 مليار متر مكعب. ومع ذلك، فقد تضررت أجزاء سورية من المنشأة خلال الحرب الأهلية ولا تزال التدفقات إلى سوريا ولبنان معطلة.
تمتلك مصر مصنعين محليين ومحطات لتسييل الغاز الطبيعي (في إدكو ودمياط) مكنت البلاد من تصدير الغاز الطبيعي المسال إلى الأسواق العالمية منذ عام 2005. وهذه المصانع هي حاليًا طرق التصدير الوحيدة العاملة في مصر. بكامل طاقتها، أنتجت تلك المصانع ما يقرب من 5 في المائة من استهلاك الاتحاد الأوروبي للغاز في عام 2022.
ومع ذلك، لم تُستخدم المصانع على نحو كافٍ خلال معظم العقد الماضي. وبعد أن أصبحت مصر مستوردًا صافًيًا للغاز في أوائل عام 2010، أغلقت دمياط في عام 2013 وإدكو في عام 2015 (استمر تسييل الحد الأدنى من الأحجام في الحفاظ على تشغيل المعدات). ومع ذلك، فإن إنتاج الغاز في ظهر وتصدير الغاز من إسرائيل إلى مصر مكنا من إعادة فتح إدكو في عام 2020 ودمياط في عام 2021.
في عام 2022، صدرت مصر 8.9 مليار متر مربع من الغاز الطبيعي المسال إلى الأسواق العالمية، وهو ما يمثل 1.6 في المائة من تجارة الغاز الطبيعي المسال العالمية. ومع ذلك، على عكس عام 2021، عندما استوعبت آسيا 71 في المائة من صادراتها، ذهب 73 في المائة من الغاز الطبيعي المسال المصري إلى أوروبا في عام 2022، حيث استفادت مصر من ارتفاع أسعار الغاز الناجم عن الحرب في أوكرانيا.
وأوضحت الكاتبة أن هذه المرونة في إعادة توجيه تدفقات الغاز الطبيعي المسال هي بلا شك ميزة. ومع ذلك، فإن توقعات مصر للتصدير على المدى الطويل تعتمد على نمو إنتاجها وانخفاض استهلاكها. ويرى بعض المحللين أن صادرات الغاز الطبيعي المسال المصرية ستبلغ ذروتها بالفعل في عام 2023 ثم تنخفض بعد ذلك، حيث يؤثر نمو الطلب المحلي على الصادرات. وهذا ليس سيناريو غير قابل للتصديق في ظل الظروف الحالية.
طموح مركز الطاقة المدعوم من الاتحاد الأوروبي
وتتطرق الكاتبة إلى طموح مصر في أن تصبح نقطة محورية لتجارة الغاز الإقليمية، الأمر الذي يسهل صادرات الغاز العالق بشكل أساسي في شرق البحر المتوسط. بالمقارنة مع جيرانها، تمتلك مصر بنية تحتية راسخة لنقل الغاز. وترسل إسرائيل بالفعل غازها إلى مصر عبر خط أنابيب غاز شرق المتوسط. ومن هناك، يمكن نقل الغاز للتسييل في المحطات المصرية للتصدير.
يأمل الشركاء في أكبر حقل غاز في قبرص، أفروديت، الذي اكنُشف في عام 2011، أيضًا في الاستفادة من البنية التحتية المصرية لبدء تصدير الغاز من الجزيرة. وعلى الرغم من اكتشافها الأول منذ أكثر من 12 عامًا، لم تبدأ قبرص بعد في استخراج وتصدير غازها. وكذلك لبنان، إذا بدأ في إنتاج الغاز، فقد يرسله عبر خط أنابيب الغاز العربي إلى مصر ومنها إلى الأسواق العالمية.
ترتبط عديد من المخاطر بالاعتماد على مصر كمركز محوري، وفي بعض الحالات، نقطة إعادة التصدير الوحيدة لجيرانها.
كجزء من حملة الاتحاد الأوروبي لتأمين إمدادات الغاز غير الروسية، وقعت بروكسل مذكرة تفاهم مع مصر وإسرائيل. والفكرة هي تمكين توصيل الغاز الطبيعي بشكل مستقر إلى أوروبا بناءً على مبادئ التسعير المدفوع بالسوق وجعل شحنات الغاز الإسرائيلي تذهب إلى أوروبا عبر محطات التصدير المصرية. في وقت سابق، في عام 2018، وقعت بروكسل مذكرة تفاهم مع مصر بشأن دعم الاتحاد الأوروبي لقطاع الطاقة في مصر وطموح أن تصبح مصر مركزًا إقليميًا للطاقة.
السيناريوهات
وتعرج الكاتبة على السيناريوهات المتوقعة فتقول: بالنظر إلى التحديات التقنية والتجارية والسياسية التي يواجهها جيرانها في شرق البحر المتوسط عند التخطيط لصادراتهم من الغاز، قد يكون لدى مصر فرصة جيدة لتحقيق طموحها في المركز الإقليمي. ومع ذلك، ولكي تنجح، يتطلب المشروع موردي وعملاء غاز متنوعين وإرادة سياسية ثابتة وسوق غاز محرر. ولم تتوفر بعد كل هذه الشروط.
وعلى الرغم من إدخال إصلاحات على الأسعار خلال السنوات القليلة الماضية، إلا أن تحرير السوق لم يحدث بعد في مصر. في يناير 2023، أعلنت الحكومة المصرية أنها تدرس «إدخال آلية مؤشر للسعر المحلي للغاز الطبيعي بحيث يعكس الأسعار الدولية» - وهو وعد لم يتحقق بعد.
كذلك ترتبط عدة مخاطر بالاعتماد على مصر كمركز محوري، وفي بعض الحالات، نقطة إعادة التصدير الوحيدة لجيرانها.
وجه صندوق النقد الدولي «تحذيرًا» لمصر في مؤشر الدول الهشة. وعلى الرغم من الاستقرار النسبي للبلاد منذ سيطرة الجيش خلال احتجاجات الربيع العربي، لا يزال هناك خطر كامن من الاضطرابات الاجتماعية والسياسية. وعلى وجه التحديد، لا تزال نسبة الشباب المصري غير المنخرط في التعليم أو التوظيف أو التدريب مرتفعة عند ما يقرب من 30 في المائة، ويحوم التضخم الرئيس المرتفع حول 30 في المائة في 2022-2023، مع تضخم الغذاء عند حوالي 60 في المائة، مما تسبب في تآكل مقلق في مستويات المعيشة لمعظم المصريين. وبالتالي، فإن الموردين الذين يعتمدون على البنية التحتية المصرية والعملاء الذين يضعون رهاناتهم على الغاز المصري يمكن أن يتعرضوا بشكل كبير للهشاشة السياسية والاقتصادية لذلك البلد وتقلبات سوقه المحلي التي لا تزال تتميز بأسعار منظمة وقد تزاحم الصادرات مرة أخرى، وفق ما يختم التقرير.