واشنطون بوست: اتهامات مينينديز بالفساد تعقد العلاقات المتوترة مع مصر

خلاصة

لطالما ساعدت واشنطون النظام العسكري في القاهرة، على الرغم من مخاوف حقوق الإنسان. وقد تعرض مزاعم الرشوة المتعلقة بسيناتور نيوجيرسي القوي هذا الترتيب طويل الأمد للخطر، وفق ما يخلص تقرير لصحيفة واشنطون بوست.

نشرت صحيفة واشنطون بوست تقريرًا أعدَّه مجموعة من المراسلين يسلط الضوء على تداعيات اتهام السيناتور الامريكي بوب مينينديز بالفساد في قضية تتعلق في جزء منها بمساعدة الحكومة المصرية على العلاقات الأمريكية مع مصر.  

وتستهل الصحيفة الامريكية تقريرها بالإشارة إلى أن المزاعم بأن السيناتور البارز بوب مينينديز تصرف سرًا لتعزيز المصالح المصرية في مخطط رشوة خلقت عاملًا جديدًا مثيرًا قابل للاشتعال في علاقة واشنطون بالقاهرة، الأمر الذي يمثل اختبار شراكة متوترة بالفعل بسبب المنافسة الإقليمية المتزايدة والاحتكاك حول حقوق الإنسان.

أعلنت وزارة العدل يوم الجمعة عن لائحة اتهام متفجرة ضد السناتور روبرت مينينديز - الديمقراطي المؤثر من نيوجيرسي الذي يرأس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ - وزوجته فيما وصفه المدعون بأنه ترتيب معقد للنقد مقابل النفوذ.

استشهد عملاء فيدراليون باكتشاف سبائك ذهبية وأكثر من 480 ألف دولار نقدًا مخبأة في منزل مينينديز في نيوجيرسي، والتي زعموا أنها استلمت من رجل أعمال مصري أمريكي وشركاء آخرين مقابل خدمات، بعضها أفاد حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي.

الأمر الأكثر إثارة للقلق

ولفتت الصحيفة إلى أن الأمر الأكثر إثارة للقلق لإدارة بايدن قد يكون مجموعة من المسؤولين المصريين الذين لم تُكشف هويتهم، على الأقل بعضهم من الجيش والاستخبارات المصرية، الذين وصفهم المدعون بأنهم يسعون للحصول على المعلومات والتأثير في التفاعلات المباشرة مع مينينديز وزوجته، أو عبر شركائهم.

وتأتي المزاعم المتعلقة بشريك أجنبي تاريخي وأحد أبرز الشخصيات في البلاد في الشؤون الدولية في لحظة حساسة في علاقات واشنطون مع الشرق الأوسط، حيث تسعى إدارة بايدن إلى إعادة التركيز على الصين وروسيا مع تعزيز الأمن الإقليمي وطمأنة الشركاء القلقين بشأن الخروج الأمريكي.

وأشارات الصحيفة إلى أن منصب مينينديز في لجنة يمنحه نفوذًا خاصًا على المحفظة الأمريكية الضخمة لمبيعات الأسلحة والمساعدة للقاهرة، بما في ذلك التخصيص السنوي البالغ 1.3 مليار دولار من التمويل العسكري الأجنبي الذي جعل مصر على مدى عقود واحدة من أكبر متلقي المساعدات الأمريكية. ولم يتضح على الفور الدور، إن وجد، الذي لعبه مينينديز، بوصفه رئيسًا للجنة المخولة بمنع المساعدات أو المبيعات، في تشكيل القرارات الأمريكية بشأن مبيعات الأسلحة أو المساعدات لمصر.

مخاوف جدية 

ونقلت الصحيفة عن ستيفن كوك، الباحث في مجلس العلاقات الخارجية، قوله إن تعاملات المسؤولين الأمريكيين المتزايدة مع الخليج بشأن قضايا الشرق الأوسط، إلى جانب غضب حكومة السيسي من الانتقادات بشأن الديمقراطية وحقوق الإنسان، ركزت تفاعلات البلدين على مجموعة ضيقة من القضايا، أبرزها المساعدات الأمريكية وقدرة القاهرة على التوسط لوقف إطلاق النار في قطاع غزة.

وقال كوك «لا أعلم كيف ستؤثر لائحة الاتهام على العلاقات الثنائية الشاملة بخلاف زرع المزيد من عدم الثقة من الجانبين».

لكن منتقدي السجل الحقوقي لمصر يقولون إن محاولة الحكومة المزعومة لتأمين نفوذ سري يجب أن تقابل برد قوي. وقال سيث بيندر، المسؤول في مشروع ديمقراطية الشرق الأوسط، إن الاتهامات أثارت «مخاوف جدية» بشأن المحاولات المصرية للتدخل في السياسة الأمريكية.

ودعا بيندر الكونجرس إلى منع المساعدات الأمريكية المعلقة «وذلك لتوضيح أن واشنطون لن تتسامح مع سجل السيسي الحقوقي واختراق النظام السياسي الأمريكي».

وفيما يتعلق بإدارة بايدن، فقد جاءت المزاعم ضد حليف رئيس في الكونجرس في لحظة غير مريحة، إذ يسعى المسؤولون الأمريكيون إلى تمرير مليارات الدولارات في الإنفاق الجديد لأوكرانيا. ولم يرد البيت الأبيض على الفور على أسئلة حول هذه المزاعم. وسئل وزير الخارجية أنتوني بلينكين في نيويورك عن لائحة الاتهام، واستشهد بأنها «قضية قانونية قيد التحقيق» ورفض التعليق.

ولم ترد الحكومة المصرية والسفارة المصرية في واشنطون على الفور على طلبات للتعليق.

ونفى مينينديز، الذي أعيد انتخابه بعد تغلبه على تهم فساد سابقة، ارتكاب أي مخالفات واتهم المدعين العامين بتحريف عمله في الكونجرس. بموجب قواعد مجلس الشيوخ، يُطلب منه التنحي عن منصبه بوصفه رئيسًا للجنة الشؤون الخارجية.

ومن بين التهم الواردة في لائحة الاتهام ترتيب مزعوم وعد فيه مينينديز بتسهيل استمرار المساعدات وبيع الأسلحة للقاهرة مقابل وضع زوجته على كشوف رواتب رجل الأعمال المصري الأمريكي وائل حنا.

في حادثة أخرى، زُعم أن مينينديز استخدم نفوذه مع وزارة الخارجية للحصول على معلومات غير سرية ولكنها حساسة حول التوظيف في السفارة الأمريكية في القاهرة، والتي نقلتها زوجته بعد ذلك إلى حنا، ثم إلى الحكومة المصرية. وفي حالة أخرى، يُزعم أن مينينديز ساعد مسؤولًا مصريًا في كتابة رسالة كان من المفترض إرسالها إلى أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكيين الآخرين لطلب الإفراج عن أموال المساعدات.

وتأتي لائحة الاتهام بعد أسبوع من اتخاذ إدارة بايدن قرارًا بشأن المساعدة العسكرية لمصر، إذ حجبت الإدارة ملايين الدولارات بسبب الانتهاكات الحقوقية لكنها سمحت بدفع أموال أخرى.

بين تحسين الصورة وترسيخ القمع

ونوّهت الصحيفة إلى أن تأمين استمرار المساعدات الأمريكية يُمثل أمرًا بالغ الأهمية للسيسي، ذلك أن مصر تمر بأزمة اقتصادية كبيرة، وأدى التضخم القياسي إلى تأجيج السخط في وقت يستعد السيسي للترشح لإعادة انتخابه في الأشهر المقبلة. 

ويتمتع السيسي والمؤسسة العسكرية بنفوذ كبير على السياسة والحكم والاقتصاد - لكن ارتفاع أسعار المواد الغذائية ونقص القمح كان من العوامل التي أشعلت شرارة الثورة التي أطاحت بحكومة مبارك.

منذ أن تولى الرئيس بايدن منصبه في عام 2021، وتعهد بوضع حقوق الإنسان في قلب سياسته الخارجية، اتخذ السيسي عددًا من الخطوات لتحسين صورته. وقد أصدر عفوًا عن عدد من السجناء السياسيين البارزين وأطلق حوارًا وطنيًا جرت من خلاله دعوة الجهات الفاعلة عبر الطيف السياسي، باستثناء الإسلاميين، لمناقشة واقتراح إصلاحات.

لكن جماعات حقوق الإنسان تقول إن هذه الإجراءات، رغم أنها موضع ترحيب، إلا أنها مجرد واجهة لحملة قمع أوسع ضد منتقدي الحكومة. ولا يزال عشرات الآلاف من السجناء «المحتجزين ظلمًا» يقبعون خلف القضبان، وفقاً لمنظمة هيومن رايتس ووتش، وتتواتر التقارير عن التعذيب. وقالت المفوضية المصرية للحقوق والحريات، وهي جماعات حقوقية مقرها القاهرة، لصحيفة واشنطن بوست هذا الشهر إن الاعتقالات لأسباب سياسية تجاوزت عمليات إطلاق سراح السجناء السياسيين.

يوم السبت، بعد يومين فقط من قرار وزارة الخارجية بشأن المساعدة العسكرية، حُكم على القيادي المعارض البارز هشام قاسم بالسجن ستة أشهر بتهم تتعلق بالتعبير شجبتها جماعات حقوقية ووصفتها بأنها زائفة.

دور رئيس

وفي حين تضاءلت أهميتها النسبية في السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط مع نمو النفوذ الدولي والثروة لدول الخليج، تواصل مصر احتلال دور رئيس في تعاملات الولايات المتحدة مع المنطقة. ولا يزال نفوذ مصر في قطاع غزة، وهو أولوية أمنية قصوى لحليفة الولايات المتحدة إسرائيل، يمثل مصلحة رئيسة، وكذلك استعدادها لقمع الإسلاميين في شبه جزيرة سيناء.

في بعض الأحيان، انتهى الأمر بواشنطون والقاهرة على جوانب متناقضة من القضايا العالمية، كما هو الحال في ليبيا، حيث قدمت مصر سنوات من الدعم للرجل القوي خليفة حفتر. وأدى النفوذ الإقليمي المتزايد لروسيا والصين إلى زيادة المخاطر على الدبلوماسيين الأمريكيين. وألقى تسريب استخباراتي هائل في وقت سابق من هذا العام ضوءًا جديدًا على هذه المخاوف، وكشف أن السيسي كان يخطط لتزويد روسيا سرًا بالصواريخ إلى أن تدخل المسؤولون الأمريكيون لإجبار الرجل القوي على تزويد أوكرانيا بالأسلحة بدلًا من روسيا.

كان مينينديز أحد مجموعة المشرعين من الحزبين الذين التقوا بالسيسي خلال زيارة لمصر في أواخر أغسطس. وفقًا لتصريحات السيسي والسناتور ليندسي جراهام، والذي كان أيضًا جزءًا من الوفد، ناقشت المجموعة موضوعات من بينها المفاوضات بين السودان وإثيوبيا ومصر حول سد النهضة الإثيوبي والجهود الأمريكية للتوسط في العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية.

تحدث مينينديز مرارًا عن حقوق الإنسان والسياسة في مصر، وأصدر ما لا يقل عن 10 تغريدات حول السجناء السياسيين أو الأمور ذات الصلة منذ عام 2019.

ليست المرة الأولى

وفي حين أن مخطط الرشوة المزعوم الذي تورط فيه مينينديز قد يكون غير مسبوق، أشارت مي السعدني من معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط ومقره واشنطون إلى الجهود السابقة التي بذلتها الحكومة المصرية لبسط نفوذها السري في الولايات المتحدة. 

وفي يناير 2022، اتهم مكتب التحقيقات الفيدرالي رجلًا مصريًا أمريكيًا بالتجسس على معارضي السيسي في الولايات المتحدة.

وقالت السعدني: «هذا مثال واضح على محاولة السلطات المصرية التأثير على نظام الحكم في واشنطون، ويجب أن يكون جزءًا من المحادثة».

الموضوع التالي المونيتور: الصين تبني علاقاتها من خلال دعم مشاريع المياه في الشرق الأوسط
الموضوع السابقصالة التحرير يناقش دعم الكيانات العمالية والأحزاب للسيسي في الانتخابات وقانون التصالح وحروب الجيل السادس