مجلس العلاقات الخارجية: إرث حرب أكتوبر يتلاشى في مصر الحديثة المضطربة

خلاصة

بعد نصف قرن، تعتبر مصر حربها القصيرة مع إسرائيل معلمًا عسكريًا مهمًا عزز قادتها، على الرغم من أن مصر ضعفت في السنوات الأخيرة في ظل حكم قمعي غير كفء، وفق ما يخلص مقال نشره مجلس العلاقات الخارجية.

نشر موقع مجلس العلاقات الخارجية مقالًا للباحث الأمريكي ستيفن كوك يستعرض ما وصفه بتلاشي إرث أكتوبر في مصر الحديث المضطربة. 

يستهل الكاتب مقاله بمشاهد يوم السادس من أكتوبر 1973 عندما شن الجيش المصري هجومه الجوي والبري على المواقع الحصينة للقوات الإسرائيلية في سيناء. ونظرًا لأنه كان يوم الغفران - أقدس الأعياد اليهودية - وكانت تقييمات المخابرات الإسرائيلية قد ألقت بظلال من الشك على نوايا مصر في خوض الحرب، كانت القوات الإسرائيلية في المنطقة ضعيفة. وبحلول صباح اليوم التالي، عبر تسعون ألف جندي مصري ومعداتهم القناة. وبدأ تحرير شبه جزيرة سيناء، الذي كان المصريون يتوقون إليه منذ هزيمة جيشهم الساحقة أمام إسرائيل في يونيو 1967، بنجاح غير عادي في ساحة المعركة.

أبطال العبور

ولفت الكاتب إلى أن الأيام الأولى الكارثية لإسرائيل هزت ثقة الشعب الإسرائيلي في كل من القيادة العسكرية والسياسية. من جانبهم، بعد تحقيق أعظم إنجاز عسكري حديث للبلاد، والمعروف في مصر باسم «العبور»، ارتكب الرئيس أنور السادات والقيادة العليا المصرية عددًا من الأخطاء التي سمحت للجيش الإسرائيلي باستعادة زمام المبادرة. 

وأضاف الكاتب أن نتيجة الحرب «أنضجت الصراع» بين مصر وإسرائيل، مما أتاح فرصًا جديدة للدبلوماسية أدت إلى رحلة السادات إلى تل أبيب بعد أربع سنوات، واتفاقات كامب ديفيد، وأخيرًا معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في مارس 1979. 

وفي عام 1982، بعد انسحاب إسرائيل التدريجي من سيناء، حلق علم مصر أخيرًا فوق شبه الجزيرة، على الرغم من أن معاهدة السلام وضعت قيودًا على موقع وعدد القوات العسكرية المصرية في المنطقة.

وهناك أيضا آثار سياسية محلية هامة في كلا البلدين. خضعت إسرائيل لحساب سياسي ليس بشأن نتيجة الحرب، ولكن لأن رئيسة الوزراء ووزير الدفاع والجنرالات الإسرائيليين قللوا بشدة من شأن التهديد المصري، مما أدى إلى استقالة رئيسة الوزراء غولدا مائير في الربيع التالي وسقوط حكومتها.

وفي مصر، كان للحرب تأثير معاكس. وصل السادات إلى السلطة عام 1970 بعد وفاة سلفه الكاريزمي جمال عبد الناصر. ووجد الرئيس الجديد نفسه على الفور في صراع سياسي مع أنصار عبد الناصر الذين ظلوا في مناصب مؤثرة داخل القوات المسلحة والحزب السياسي المصري الواحد، الاتحاد الاشتراكي العربي.

وسيطر السادات على مراكز القوى هذه في عام 1971، لكنه اضطر إلى مواجهة تحديات سياسية أخرى. في أوائل عام 1972، نظم طلاب الجامعات في القاهرة والإسكندرية وأسيوط والمنصورة احتجاجات كبيرة ضد الرئيس المصري في جزء كبير منه بسبب إحجامه المتصور عن شن حرب تحرير ضد إسرائيل، والتي كانت بحلول ذلك الوقت راسخة بقوة على الضفة الشرقية لقناة السويس. 

عندما جاءت الحرب في العام التالي، ومع كل من النجاح المذهل في عبور مصر لسيناء وعجز إسرائيل عن دفع القوات المصرية إلى الجانب الغربي من القناة، تمكن السادات أخيرًا من تعزيز سلطته، وبعد ذلك تولى عباءة «بطل العبور».

الاغتيال والاستقرار والانقلاب

وأشار الكاتب إلى أن معارضة حكم السادات الأولى جاءت في يناير 1977، عندما اندلعت مظاهرات حول خطة أوصى بها صندوق النقد الدولي دعت البلاد إلى إلغاء بعض الإعانات الغذائية. وعادت إلى الظهور في صيف عام 1981، عندما انخرط السادات في القمع الجماعي لخصومه (الحقيقيين والمتخيلين). لكن بعد العبور، لم تكن سلطة السادات الرئاسية محل طعن. 

وبعد اغتيال السادات في 6 أكتوبر 1981، بينما كان يشاهد عرضًا عسكريًا للاحتفال بالعبور، سعى خليفته حسني مبارك إلى طريق وسط بين الحماسة القومية التي تبناها عبد الناصر والحماس الأيديولوجي لسنوات السادات. وبينما كان يسعى إلى نزع الطابع السياسي عن مصر بتركيزه على «الاستقرار من أجل التنمية»، اعتمد مبارك - الذي قاد القوات الجوية المصرية خلال حرب أكتوبر 1973 - على العبور باعتباره دعامة لشرعيته.  

ومع مرور الوقت ووفاة عديد من الجنرالات والشخصيات السياسية في الحرب، تضاءلت المكاسب السياسية للعبور. ولم يستطع مبارك استحضار هذا التاريخ المجيد لاستقرار حكمه في عام 2011، عندما انتفض المصريون ضده، مما أجبر الجيش على عزل الرئيس من السلطة. ولا يزال عبور قناة السويس علامة مهمة في تاريخ مصر الحديث، ولكن الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، الذي كان قائدًا عسكريًا كبيرًا قبل توليه السلطة في انقلاب 2013، يبعد جيلين عن الضباط الذين أنجزوا العبور.

في الوقت الذي تواجه فيه مصر أزمة اقتصادية متصاعدة تركت البلاد مثقلة بالديون ويواجه المصريون مستويات قياسية من التضخم، لا يستطيع السيسي استحضار حرب أكتوبر للمساعدة في الحفاظ على حكمه. وفي حين أن هذا قد لا يكون نقطة ضعف قاتلة لقيادته المستمرة، فإن الرئيس المصري محروم من التاريخ الشخصي المجيد والرؤية الإيجابية للمستقبل. وعلى الرغم من أن نتيجة الانتخابات الرئاسية في ديسمبر ليست موضع شك، إلا أن عدم وجود كليهما يساهم في الضعف السياسي للسيسي.

الموضوع التالي الإيكونوميست: تقديم موعد الانتخابات المصرية يُظهر قلق عبد الفتاح السيسي
الموضوع السابقالمونيتور: الاقتصاد المصري تأثر بخفض التصنيف مع سعي السيسي لولاية ثالثة