معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط: لم يعُد المصريون يرقصون للسيسي
على مدى العقد الماضي، استخدم نظام السيسي ذخيرة من الأعمال الغنائية والموسيقية مثيرة للاهتمام لدعم الدولة وهدفها. لكن فعالية استمالة الدعم للنظام تقترب من نهايتها، وفق ما يخلص تقرير نشره معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط.
نشر معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط تقريرًا يستعرض توظيف نظام السيسي للأعمال الغنائية والموسيقية لحشد الدعم لنظامه على مدى عقد وبدء فقدان هذا التكتيك لجاذبيته مع تراجع دعم النظام.
يستهل المعهد الأمريكي تقريره بالإشارة إلى أن الحكومة المصرية سمحت بتنظيم احتجاجات مؤيدة لفلسطين لفترة وجيزة خلال الأسابيع الأخيرة من أكتوبر 2023. ولم يكن هذا الاستثناء النادر لقانون مصر المناهض للاحتجاج لعام 2013 حميدًا تمامًا. T فبعد بعد دعوة الرئيس للمصريين للنزول إلى الشوارع لإظهار دعمهم لغزة مباشرة، نشر عديد من المشاهير ملصقًا مُعدًا مسبقًا على حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، معلنين دعمهم للرئيس لحماية كل من الأرض المصرية والقضية الفلسطينية.
كما نشر عديد من مطربي المهرجانات، وهم نوع موسيقي من الطبقة الدنيا يخضع لرقابة شديدة، مقاطع فيديو تناشد الناس الانضمام إلى الاحتجاجات المؤيدة للنظام في النصب التذكاري للجندي المجهول في مدينة نصر بالقاهرة.
وبحلول ذلك الوقت، أصبح من الواضح أن السيسي كان يحاول إعادة تنظيم احتجاجات يوليو 2013، عندما منح الناس السيسي «تفويضًا» لمواجهة العنف والإرهاب. واستخدم الرئيس هذا التفويض في وقت لاحق لتبرير مذبحة رابعة في أغسطس 2013.
ومع ذلك، لم تلب هذه الاحتجاجات النتائج المرجوة من السيسي، إذ سخر عديد من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي من مشاهد المطربين وهم يحرقون العلم الإسرائيلي على أنها مجرد مسرحية. ومن ناحية أخرى، تجمع المتظاهرون المعارضون في مساجد أخرى، مثل الأزهر ومصطفى محمود في القاهرة، ومسجد القائد إبراهيم في الإسكندرية، معربين عن دعمهم لفلسطين، ومعارضتهم للسيسي.
وهتف المتظاهرون مرارا «هذا الاحتجاج بجد مش تفويض لحد». وفي الواقع، تجمع مئات المتظاهرين في ميدان التحرير وهم يهتفون بشعارات 25 يناير، قبل أن تفرقهم الشرطة وتعتقل العشرات.
في وقت سابق، في 2 أكتوبر، فشلت الحكومة بالمثل في هدفها تحويل احتفالات اليوبيل الذهبي للانتصار العسكري في 6 أكتوبر 1973 إلى مواقع تعبئة جماهيرية للطبقات الشعبية التي تطالب السيسي بالترشح لولاية رئاسية ثالثة. وتحولت إحدى حفلات الشوارع تلك إلى احتجاج، هتف فيها المحتشدون ضد السيسي لأول مرة منذ سنوات.
وبعد ما يقرب من عقد من الزمان من احتفالات الشوارع بالانقلاب العسكري عام 2013 والانتخابات الأولى للسيسي في عام 2014، فإن استراتيجية الاعتماد على موسيقى الشوارع والمغنين لإقناع المحرومين بإظهار دعمهم للرئيس من خلال الرقص في الشوارع ومراكز الاقتراع، يبدو أنها تصل إلى نهايتها.
ويحلل التقرير هذا الذبول التدريجي لتأثير الأغاني والموسيقى باعتبارها آلة لتنظيم الدعم الشعبي للديكتاتور، مستشهدًا بآراء عدد من علماء الموسيقى والفنانين وذلك لاستعراض الأسباب الكامنة وراء هذا الإفلاس الثقافي.
ويلفت التقرير إلى أن هذه الاستراتيجيات الموسيقية بدأت تفقد فعاليتها الآن، إذ أصيب الناس بخيبة أمل من حكم السيسي وسط الصعوبات الاقتصادية.
أنتجت الدولة عديدًا من الأعمال الموسيقية والغنائية ورعت الحفلات الموسيقية للفنانين المشهورين، لكن معظم هذه الأغاني فشلت في تحقيق شعبية كبيرة لدى الجمهور. كما أن اختيار نوع المهرجانات لم ينجح أيضًا بسبب النهج المتناقض الذي تتبعه الدولة في فرض الرقابة على الموسيقى، ولكن أيضًا محاولة استغلال شعبيتها.
بشكل عام، لا يزال الناس يستمتعون بالموسيقى ولكنهم لا يشعرون بالكثير مما يدعوهم للاحتفال بالصراعات الاقتصادية التي يعانوها، ويشعر أنصار الموسيقى الشعبية من الطبقة العاملة بالخذلان من النظام. ويبقى أن نرى ما إذا كانت الدولة ستواصل الاعتماد على تلك الاستراتيجيات التي لم تعد تجدي نفعًا لتوليد المشاعر المؤيدة للسيسي.