تناولت الحلقة ثلاث قضايا رئيسية في سياق واحد مترابط؛ إذ ناقشت أولًا ظاهرة تحويل أفكار الحاكم إلى نصوص شبه مقدسة، من خلال «الكتاب الأبيض» لوزارة الخارجية المصرية حول «الاتزان الاستراتيجي»، مع ربطه بتجارب تاريخية مماثلة مثل «الكتاب الأحمر» لماو و«الكتاب الأخضر» للقذافي، وإبراز التناقض بين الخطاب الرسمي وواقع ملفات سد النهضة وغزة وبيع الأصول الاستراتيجية وعسكرة الدولة. كما استعرضت تعثر مشاريع «رؤية 2030» في السعودية وفشل عدد من المشاريع الكبرى والترفيهية والرياضية رغم الإنفاق الضخم، مع ما صاحب ذلك من كلفة بشرية واقتصادية واضحة.
واختتمت الحلقة بملف الفوضى والتمييز في المتحف المصري الكبير، من سياسات تفضيل الأجانب وسوء معاملة المصريين والسياح العرب، إلى ظهور تلفيات إنشائية مبكرة كشفت خلل التنفيذ وسوء الإدارة.
مضامين الفقرة الأولى: صدور «الكتاب الأبيض» لوزارة الخارجية المصرية حول "الاتزان الاستراتيجي" استهلّ ناصر الحلقة بتناول ظاهرة لجوء الأنظمة الاستبدادية إلى تحويل أفكار الحاكم إلى ما يشبه «الكتب المقدسة» التي تُفرض على الشعوب بوصفها مرجعًا نهائيًا لا يجوز نقده، مستعرضًا تجارب تاريخية أبرزها «الكتاب الأحمر» لماو تسي تونغ خلال الثورة الثقافية الصينية وما صاحبه من قمع وحرق للكتب ومجاعات أودت بحياة عشرات الملايين، ثم «الكتاب الأخضر» لمعمر القذافي الذي قُدِّم كمرجع فكري مقدس لترسيخ عبادة الفرد، وصولًا إلى «الميثاق» في عهد جمال عبد الناصر، الذي تحوّل إلى نص يُحفَظ ويُستشهد به ويؤثر في الترقيات والمواقع، في سياق سياسي اتسم بالقمع وتراجع الحريات ووقائع السجون الحربية والمقابر الجماعية كما ورد في شهادات تاريخية عُرضت بالحلقة. وانتقل ناصر إلى الحاضر متناولًا إصدار وزارة الخارجية المصرية «الكتاب الأبيض» بعنوان «الاتزان الاستراتيجي.. ملامح من السياسة الخارجية المصرية في عشر سنوات»، واعتباره عقيدة حاكمة للسياسة الخارجية وفق تصريحات بدر عبد العاطي، قبل أن يعرض ما وصفه بتناقض الخطاب مع الواقع عبر ملفات سد النهضة، وتصريحات وزير الري حول غموض أمان السد مقابل توقيع اتفاق 2015 الذي منحه شرعية قانونية، إضافة إلى تراجع الدور المصري في ملفات غزة ومحور فيلادلفيا والسودان وليبيا، وصولًا إلى خروج مصر من اتحاد إذاعات الدول العربية لعدم سداد الاشتراكات كمؤشر رمزي على تراجع المكانة الإقليمية.
وتوسّع ناصر في عرض ملف «البيع الاستراتيجي»، متناولًا صفقات الموانئ والمطارات والأراضي مثل رأس الحكمة والسخنة وموانئ البحر الأحمر، والاتفاقات مع شركات إماراتية وقطرية، وما قيل عن منح أراضٍ سيادية وإعفاءات ضريبية طويلة دون عائد حقيقي للخزينة، مع استعراض تحليلات اقتصادية اعتبرت ذلك إهدارًا للأصول وتحويل مصر من دولة مالكة إلى دولة مؤجرة. واختتم بالحديث عن عسكرة الدولة، عارضًا أرقامًا حول ارتفاع نسب العسكريين في مناصب المحافظين ونوابهم وسكرتيري العموم، واعتبار ذلك تكريسًا لهيمنة المؤسسة العسكرية على الإدارة المحلية، وربطه بسياسات تمييز في التعيينات داخل المؤسسات السيادية، وما عُرض من بيانات وتحذيرات تمنع تداول أي معلومات تتعلق بالقبول في الكليات العسكرية والشرطية.
مضامين الفقرة الثانية: فشل بن سلمان: مليارات تُنفق ومشاريع تتعثر
خلال الحلقة، قال ناصر إن معظم المشاريع التي أطلقها محمد بن سلمان منذ توليه الحكم تعثرت أو فشلت رغم الترويج لها ضمن «رؤية 2030»، مستعرضًا أمثلة بارزة مثل مشروع «بوابة الدرعية» الذي قفزت تكلفته من 75 إلى أكثر من 190 مليار ريال مع تأجيل افتتاحه إلى عام 2030، إلى جانب التأخيرات الواسعة التي لحقت بمشروعي «حديقة الملك سلمان» و«المسار الرياضي»، فضلًا عن مشروع التشجير الذي لم يحقق سوى نسبة ضئيلة من مستهدفاته بسبب طبيعة المناخ وندرة المياه وارتفاع تكاليف التنفيذ. وأشار كذلك إلى الكلفة البشرية المصاحبة لهذه المشاريع، مستشهدًا بما تعرضت له قبيلة الحويطات خلال تنفيذ مشروع نيوم، وعمليات الإخلاء والهدم في جدة، معتبرًا أن بعض هذه المشروعات انتهت بفشل أخلاقي قبل أن يكون اقتصاديًا، مع الإشارة إلى تقارير دولية، من بينها «فايننشال تايمز»، تحدثت عن تعثر مشروع نيوم، ما دفع وزير المالية السعودي للإقرار بإمكانية إلغاء أو تقليص بعض مشاريع "رؤية 2030"
و في سياق منفصل تناول ناصر تقارير غربية تحدثت عن فشل المهرجانات والفعاليات رغم الإنفاق الضخم عليها، متوقفًا عند أزمة دور السينما التي شهدت تراجعًا حادًا في الإيرادات وإغلاق عدد من الفروع، في ظل غياب ثقافة مجتمعية داعمة واتجاه الشباب إلى بدائل أخرى. كما تطرق إلى ملف الرياضة، مشيرًا إلى طرح بيع أكبر أربعة أندية سعودية ضمن خطط خفض الإنفاق رغم المليارات التي صُرفت عليها، معتبرًا ذلك دليلًا على سوء التخطيط، وختم بالإشارة إلى التقارير التي تحدثت عن دراسة الاستحواذ على نادي برشلونة مقابل مبلغ ضخم رغم المعوقات القانونية، معتبرًا أن مجمل هذه الوقائع يعكس أزمة تخطيط انتهت بفشل واضح في عدد من الملفات.
مضامين الفقرة الثالثة: المتحف المصري الكبير: تمييز وفوضى وتلفيات بعد الافتتاح
واختتم ناصر الحلقة بالعودة إلى ملف الفوضى والتمييز في حجز تذاكر المتحف المصري الكبير، مذكّرًا بتناوله هذه القضية في حلقة سابقة بتاريخ 12 نوفمبر، حين انتقد منع المصريين من الحجز في أيام محددة وقصر الدخول على الأجانب بذريعة التنظيم وجذب العملة الصعبة. وأكد أن معلومات جديدة تشير إلى أن ما جرى لم يكن تنظيمًا بقدر ما كان سياسة «كوتة» مقصودة تمنح الأفضلية للأجانب على حساب المصريين، في تعامل شبّهه بمنطق «عربجية الحنطور» الذي لا يرى إلا الدولار. وأوضح أن الفوضى امتدت أيضًا إلى السياح العرب، الذين اشتكوا من استحالة حجز التذاكر سواء إلكترونيًا أو من خلال الشبابيك، عارضًا مقاطع مصوّرة وشهادات عن تعطل المنصات الإلكترونية ورفض بيع التذاكر رغم فتح الشبابيك، ما أدى إلى طوابير طويلة بلا نتيجة.
وفي السياق نفسه، استعرض ناصر واقعة رواها الكاتب هيثم السيد عن تعرّضه ومجموعة من الأطفال الفائزين في مسابقة ثقافية لسوء معاملة وإهانات داخل المتحف المصري بالتحرير، بدعوى الاشتباه في أنهم «مدرسة» ومن محافظة الشرقية، وما ترتب على ذلك من أثر نفسي قاسٍ على الأطفال وشعورهم بالإقصاء. وقارن ذلك بتجربة شخصية سابقة له في متحف بيت الأمة، حيث حظي هو وزملاؤه الطلاب بمعاملة إنسانية راقية مكّنتهم من الدخول المجاني والتلقي باحترام، معتبرًا هذا النموذج هو الدور الحقيقي للمتاحف.
وانتقل إلى ما وصفه بالجانب الأخطر، مستشهدًا بتحذيرات المهندس ممدوح حمزة بشأن ظهور تلفيات وشروخ في أرضيات ورخام المتحف المصري الكبير بعد فترة وجيزة من افتتاحه، رغم صمود آثار عمرها آلاف السنين، وربط ذلك بتصريحات مدير المتحف أحمد غنيم الذي أرجع التلفيات إلى حفل الافتتاح، معتبرًا أن هذا التبرير يكشف حجم الإهمال وسوء التنفيذ في مشروع أُنفقت عليه مليارات الجنيهات تحت إشراف الهيئة الهندسية.